الإسلاميون الديمقراطيون!

أياً كان حجم تأثير وحضور أعضاء من جماعة الإخوان المسلمين في الثورة المصرية، فإن المؤكد والمعروف هو أن الجماعة لم تكن أبداً صانعة الثورة ولا سبب نجاحها المرحلي بالإطاحة بالرئيس (السابق) حسني مبارك. مع ذلك، يبدو الإخوان المسلمون اليوم القوة السياسية الأكثر استفادة من الثورة، كما تُظهر مؤشرات الحصاد القادم للتغيير السياسي الذي تعيشه مصر.
فبحسب استطلاع الرأي الذي أجراه مركز بيو للأبحاث (Pew Research Center) ونشرت نتائجه نهاية الشهر الماضي، عبّر 75 % من المصريين عن تأييدهم "الكبير" (37 %) أو "إلى حد ما" (38 %) للجــماعة (في مقـــابل تأييــد 70 % لحركة "6 أبريل" التي لا تعتبر حزباً سياسياً).
ولأن الخوف، الحقيقي أو المزعوم، من البديل الإسلامي كان سبباً لا في إعاقة التغيير فحسب، بل وأيضاً في تقديم الدعم داخلياً وخارجياً، سراً وعلناً، للأنظمة الديكتاتورية القائمة، وكذلك خشية الصدام مبكراً مع القوى الداخلية والخارجية على السواء، فقد سعت "الجماعة" إلى تهدئة المخاوف بإعلانها عدم ترشيح أو دعم أي من أعضائها للانتخابات الرئاسية، والاكتفاء بالتنافس على ما بين 45 % إلى 50 % من مقاعد مجلس الشعب المصري. وإذا ما أضيف إلى كل ذلك الأدبيات الإخوانية التي باتت تتبنى وتعلي، بدرجة كبيرة وإن ليست كاملة، القيم الديمقراطية العالمية، يبدو من الممكن، بالنتيجة، الحديث عن إسلاميين لا يكتفون بديمقراطية لمرة واحدة توصلهم إلى السلطة، وتدشن مرحلة جديدة من الديكتاتورية، إنما الدينية/ الثيوقراطية.
لكن، هل فعلاً هي التصريحات والأدبيات المنشورة، وحتى بعض الممارسات، ما يجعل الإسلاميين، أكانوا من جماعة الإخوان المسلمين أم سواهم، ديمقراطيين أو ديكتاتوريين؟
السر ليس أبداً في التصريحات والأدبيات ولا حتى النوايا، وإن بلغت حد اللامعقول بالهيام الديمقراطي أو التشدد الإقصائي الاستئصالي. فما يصنع الديكتاتور، حتى وإن كان قد وصل إلى السلطة بعد عهود من التنظير الديمقراطي، هو غياب ضمانتي الرقابة والتوازن، اللتين تشكلان سبب بقاء الديمقراطية عملية مستمرة لا تقبل التراجع. وإلا، فكيف نفسر ديكتاتورية لا تكاد تعرف شبيهاً على يد علمانيين عرب، من قوميين وغيرهم، شكل الإسلاميون عدوهم الأول؟ ألم تكن طريق وصول كل ديكتاتور عربي علماني إلى السلطة معبدة بالوعود الديمقراطية، ولو كانت ديمقراطية اجتماعية فقط، فانتهوا إلى نهب ثروات البلاد وسفك دماء أبنائها، وكل ذلك بعد ونتيجة تدمير المجتمع وإفراغه من أي قدرة على التنظيم والرقابة والتأثير؟
إذن، بدلاً من تعقب الإسلاميين، تصريحات وممارسات، لقياس مدى انسجامهم مع معايير الديمقراطية، فإن الأجدى، بل والصحيح، التركيز على خلق البيئة التي لا تسمح لهم (أو لأي فريق آخر يمسك بزمام السلطة تحت أي يافطة أو شعار) بالانقلاب على الديمقراطية، ولو "بحسن نية"، من خلال الشعور أو الادعاء باحتكار الحقيقة والصواب في مواجهة المجتمع "المتخلف العاجز" الذي لا يعرف مصلحته كما ظن بعض الزعماء "التاريخيين". وهذه البيئة تكون بخلق مجتمع قوي قادر على الرقابة والمحاسبة، عبر مؤسسات مدنية فاعلة. وضمن هذه المؤسسات لابد أن تكون هناك أحزاب حقيقية، تقدم رؤية عملية مختلفة، وقادرة على الحصول على تأييد المجتمع والتعبير عن آرائه.
بغير هذه البيئة، فإن كل تغيير في العالم العربي لن يكون سوى تغيير في شكل الديكتاتورية وشخوصها، سواء كانوا إسلاميين أم غيرهم، وسواء كانوا من أيتام الأنظمة السابقة أم من أبطال ميادين التحرير.

اضافة اعلان

[email protected]