د. أحمد بطّاح
الإصلاح السياسي في الأردن موضوع مؤرّق ليس فقط للمسؤولين فحسب، ولكن للمشتغلين في الحقل السياسي، والمهتمين بشأنه، وللمواطن العادي، فهو يعني تمتين بنيان الدولة، ومأسستها، ما يضمن حاضر البلاد ومستقبلها.
ولعل من القضايا الشائكة المتعلقة بالإصلاح السياسي قضية الإصلاح الاقتصادي، فهناك من يرى أن الإصلاح الاقتصادي يجب أن يكون أولاً على اعتبار أن السياسة هي “اقتصاد مكثف” كما قال لينين يوماً، وهناك من يرى أن الإصلاح السياسي يجب أن يكون أولاً على اعتبار أنّ الخط السياسي الذي تتبناه الدولة هو الذي يوجه الاقتصاد ويحدّد أولوياته ومُخرجاته.
الإصلاح السياسي مرتبط حكماً بالديموقراطية، والديموقراطية مرتبطة بدعامتين أساسيتين هما: مجالس منتخبة (بمختلف مسمياتها)، تُنتخب انتخاباً حراً يُفرز ممثلين يعبّرون عن روح الشعب ونبضه، ما يقتضي بالضرورة قانوناً انتخابياً عادلاً، وأحزابا سياسية تمارس دورها الحر والمسؤول في التعبير عن مصالح الطبقات والشرائح الشعبية المختلفة.
إذا أخذنا كل ما سبق بالاعتبار وتذكرنا أن مجلس النواب الأردني يشهد دورته الأخيرة، وأنّ الشعب سيكون أمام استحقاق انتخابي مهم، فهل فكّرنا حقيقة في كيفية تعديل قانون الانتخاب لكي يشعر الشعب الأردني أن هؤلاء الذين سيصلون إلى “القُبّة” سوف يمثلونه حقيقةً، وأننا لن نقرأ مرةً أخرى الاستطلاعات التي تشير إلى أنّ نسبة رضا الشعب عن المجلس لا تزيد على 30 %!
من الواضح أن الموقف الرسمي هو مع الابقاء على قانون الانتخاب الحالي ولكن ألا يمكن إعادة النظر في الأمر؟
إذا انتقلنا إلى الأحزاب السياسية في الأردن فهل فكرنا بكيفية دعم الأحزاب وتمكينها من خلال قانون أحزاب جديد يشعرها بالحرية والقدرة على استقطاب الأعضاء، وبعدم الخشية من “بعبع” السلطة التنفيذية، وهل يمكن أن نفتح كوة في الجدار وأن نشترط ألا تقل نسبة مقاعد الأحزاب السياسية في البرلمان عن 30 % كخطوة أولى؟
الطريق إلى الإصلاح السياسي واضح ولسنا بحاجة إلى اختراع العجلة من جديد كما يقولون، ولكن المسألة هي: هل الدولة مقتنعة بضرورة الإصلاح السياسي؟ من وجهة نظري فإن من المصلحة أن تتحمس لهذا الإصلاح الذي طال انتظاره. يجب أن تكون الدولة في تبني هذا الاتجاه بلا أي تردد أو نكوص وذلك بالنظر لاعتبارات عديدة، أولها أن الأغلبية الساحقة من أبناء الشعب الأردني تدين بالولاء للنظام السياسي، وهي تفخر بإنجازاته، وتقر بمشروعيته، وأي جماعات محدودة تشذ عن هذه الأغلبية تمثل الاستثناء لا القاعدة. ثانياً أننا شعب مُتعلم وواعٍ ومُؤهل للممارسة الديموقراطية السليمة. صحيح أن التجربة قد تشهد عثرات ما، لكنّ الديموقراطية لا بيوم وليلة بل تتّجذر بالممارسة، وبالتجربة، وفي هذا السياق يجب ألا ننسى أن الدول الديموقراطية الغربية لم تصل إلى هذه المرحلة إلّا بعد مُخاض تاريخي عسير.
ثالثاً، نعيش بإقليم مضطرب، وهناك أخطار حقيقية محدقة بالوطن من جهات عدة، ولهذا فلا مناص من تقوية الجبهة الداخلية، وتصليبها، ولا يتم ذلك بالطبع إلّا بمزيد من المشاركة السياسية التي ستجعل جميع المواطنين شركاء.
رابعاً: الدولة تعاني من هوة ثقة بينها وبين المواطن، ومن بعض الترهل الإداري، ومن بعض الفساد، ولعلّ هذا كله لا يمكن علاجه إلّا بمزيد من الديموقراطية التي تؤدي إلى الشفافية، والحاكمية الرشيدة، والعدالة الاجتماعية، وسيادة القانون.
خامساً، أسهل الطرق إلى تحقيق اللُّحمة بين الدولة والشعب هي إشراك الشعب في تقرير شؤونه من خلال المجالس المنتخبة، والأحزاب السياسية التي تمارس دورها بحرية ومسؤولية، ما يشكل الدرع الواقي للوطن.
السياسة هي “فن الممكن”، وهذا يعني أن نكون واقعيين وأن نتقدم بمنهجية وبأسلوب مدروس، ولكن في نفس الوقت، نتحرك بثبات وبعزم وصولاً إلى وطن عزيز كريم ومستقر.