الإصلاح السياسي "مفتاح" محاربة الفساد فلماذا نريد البقاء في دائرة "الحرث في الماء"؟

ندور في الدائرة المغلقة نفسها. نتحدث كثيرا عن الإصلاح والدولة المدنية، وتعزيز سلطة القانون، وفرض هيبة الدولة، وبعد سويعات ننزع نحو الفئوية والعشائرية والجهوية والتعصب.اضافة اعلان
نتحدث صباحا عن أمانينا بالإصلاح المنشود، ومساء نطالب بمكتسبات ضيقة، ونتحدث عن تخوفات لجمنا فيها أنفسنا بدون أن يكون لها سند ملموس في الواقع.
نخلق يوميا قصصا ومشاكل وبؤرا متفجرة، ونلهث وراء حلها، الذي يكون غالبا بعيدا عن سيادة الدولة والقانون، ونرانا وقتذاك نبتعد عن سكة إصلاحنا المنشود.
فمن غير المفاجئ مثلا، أن ترى شخصا ما أمام المجلس أو في وسط البلد، أو في أي محافظة أخرى يهتف بالإصلاح والدولة المدنية وقانون انتخاب عصري متطور، وتراه بعد يوم أو حتى بعد ساعات في خيمة أحدهم، يكيل الاتهامات للدولة، باعتبارها تتقصد هذا الشخص أو ذاك، رافضا سيادة القانون!!.
ماذا نريد؟ سؤال يلج به اللسان، هل نريد إصلاحا حقيقيا مبنيا على رؤية واضحة، تعززه دولة مؤسسات وقانون، وسيادة روح المواطنة، وتعميق مفهوم محاربة الفساد؟ أم نريد إصلاحا "على الكيف"؟ نؤيده ما دام تقاطع مع أهوائنا وأمنياتنا، ونلفظه إذا ذهب باتجاه آخر!!.
الإصلاح لا يتجزأ، ومعناه الأساسي دولة تحكمها سيادة القانون، وحكومة صاحبة ولاية، وبرلمان حقيقي، ومؤسسات مجتمع مدني قوية، وقوانين وتشريعات تنفذ على الغني والفقير، الوزير والغفير، وآلية لمكافحة الفساد واضحة وموحدة، لا يوجد فيها تردد في إدانة هذا الشخص أو ذاك، وتعزيز قيم المواطنة.
والإصلاح معناه تشريع قوانين حاكمة حازمة، تؤمن تقاضيا عادلا، وتشرع لحرية الرأي واحترام الرأي الآخر، وينتج صحافة حرة، لا قيد عليها ولا سقف لها إلا سقف القانون.
وقتذاك، يمكن مكافحة الفساد بالشكل الذي نريد، وهذا سيمكننا من حل كل القضايا المطلبية بالمكاشفة، وفقا لرؤية تقوم على معرفة ما لدينا من إمكانيات، وكذلك لن يستطيع المسؤول إخفاء معلومات، لأنه يعرف أن ذلك غير ممكن.
نعم، نريد محاربة الفساد، بيد أن محاربته تتطلب مجلسا نيابيا قويا سيدا، قادرا على اتخاذ القرار، وحركات شعبية غير انتقائية في خياراتها وأهدافها، ومؤسسات مجتمع مدني قوية، وأحزاب لها تمثيل حقيقي في الريف والمدن والبوادي والمخيمات.
لا نريد أن نبقى في معركة شراء الوقت، ندخل في صراعات صغيرة مبتعدين عن هدفنا الذي وضعناه في كل تصريحاتنا، وهو إصلاح سياسي، سيجرنا بكل تأكيد إلى إصلاح اجتماعي واقتصادي وثقافي ومجتمعي، ويؤمن لنا إصلاحا بنيويا في كل مرافق الحياة العامة.
حينها سنمكن هيئة مكافحة الفساد، وديواني المحاسبة والمظالم، وكل مؤسساتنا الرقابية الأخرى، من أخذ دورها والقيام به، وسيعرف الوزير ورجل الأمن والموظف والمسؤول، أنهم تحت سيف القانون وعيون حراسه، وأن الواسطة والمحسوبية لن تبعد من يخطئ عن المحاسبة، فقوة القانون أقوى من أية قوة أخرى، مهما كبر شأنها.
دعونا نزيح كل العصي التي وضعت في دولاب الإصلاح الحقيقي، ونخذل كل القوى التي راهنت وعملت على تشتيت انتباهنا عن الطريق الصحيح، وأدخلت الكثير منا في صراعات جانبية، لشراء الوقت ما أمكن، ونعيد عجلة إصلاحنا السياسي للدوران، ونتنبه إلى ضرورة إقرار تشريعات سياسية ناظمة لحياتنا، تشريعات تدخلنا مطارح أفضل، وتوصلنا إلى محاربة الفساد بالطريقة المثلى التي نريد.
فالتشريع القائم على رؤية إصلاحية، والذي تغيب عنه المكاسب الآنية، يؤمن بكل تأكيد مخرجات إصلاحية حقيقية، ويضع الحصان أمام العربة، وبخلاف ذلك، سنبقى ندور في حلقة مفرغة لن توصلنا في نهايتها إلى طريق الإصلاح.
الفرصة ما تزال قائمة، وما يزال أمامنا قوانين إصلاحية تؤسس لطريقنا المنشود، أبرزها قانون الانتخاب والأحزاب، وبخلاف ذلك سنبقى نضيع الوقت في معارك جانبية، وقصص لا تعود علينا وعلى وطننا بالإصلاح المنشود.

[email protected]