الإصلاح: ماذا نريد بالضبط؟

تبدو كلمة «الإصلاح»، في الحالة الأردنية، مطاطة بشكل غريب، ويصعب معها تلمس ملامحها، وتحديد معناها في كل مرة نتداعى فيها، ونقرر أن نطلقها للنقاش في الفضاء العام.اضافة اعلان
الغالبية لم تحدد حتى اليوم وجهتها الأساسية وأولوياتها في عملية الإصلاح، ولكن في النقاش تتبدى لهم آراء يعتبرونها لا تجافي الصواب. آخرون يعتمدون وصفة القوانين السياسية الأساسية التي تكرس الرقابة الشعبية على العمل العام، كقانوني الانتخاب والأحزاب، وإطلاق الحريات العامة. بينما هناك فريق ثالث لا يرى في هذا النوع من الإصلاح أولوية في الوقت الراهن، مقدما عليه الإصلاح الاقتصادي، خصوصا في ظل أوضاع حرجة فرضتها جائحة كورونا، ومن قبلها النزاعات العديدة التي عصفت بالمنطقة.
بداية، وبالتأكيد، فنحن متأخرون جدا في أي عملية إصلاح يمكن أن نبدأها في أي مرحلة قادمة، فالنقاشات الموسمية التي كان يتم إطلاقها في الفضاء العام بين فترة وأخرى ويتم إغلاقها بلا سابق إنذار، لم تستطع أن تؤسس لأي خريطة طريق يمكن أن تقود خطواتنا الأولى إلى ما يمكن أن يحدد أولوياتنا المرحلية، فأضعنا سنوات كثيرة في نقاشات عقيمة كان يمكن لها أن تكون مثمرة لولا أنها جاءت كمن يلعب لعبة «الاختباء». النجوم الموسميون المنظرون لعملية الإصلاح، ظلوا هم أنفسهم وبلا أي تغيير على مدار سنوات، واستمرأوا اجترار الأحاديث نفسها، من غير أن يستطيعوا جلب وعي الجمهور إلى «تنظيراتهم».
قد يرى كل منا العملية من وجهة نظره، وهو ما لا يمكن أن نعتبره خطأ كليا، ولكن، وبالتأكيد، فإن الإصلاح عملية متكاملة، فالسياسي منها يعمل على إشراك المجتمعات في عملية صنع القرار، والاقتصادي يمكن أن يسهم في زيادة الرفاه الاجتماعي وتحسين اشتراطات الحياة، وبالضرورة سيؤدي إلى تحسين الجو العام، وخفض نسب التوتر والاحتقان الطاغية اليوم في البلد، والسلبية التي يتعامل فيها المواطن مع الشأن العام، والنقمة على المؤسسة الرسمية التي يرى أنها السبب الرئيس في وصول الأوضاع إلى ما هي عليه اليوم.
في إحدى الجلسات الضيقة جدا مؤخرا، يستعرض أحد السياسيين المخضرمين المحاولات الأردنية للإصلاح ونقاشاتها وتجاذباتها الكثيرة، ليؤكد بأننا لا نحتاج إلى قوانين «ثورية» لتحقيق الإصلاح السياسي، ولا حتى إلى قوانين جديدة في الأصل، إذ يكفي أن نضمن تطبيق الدستور الأردني بنزاهة، وأن نتخلص من القوانين المتعارضة مع نصوصه وروحه، لكي ننجح في تحقيق قفزة كبيرة إلى الأمام. حتى قانون الانتخاب الحالي الذي يكاد لا يرضي أحدا، فبرأي السياسي المخضرم يمكن من خلاله إجراء انتخابات حقيقية ممثلة إن نحن استطعنا ضمان النزاهة والشفافية فيها، وتركناها لتعبر عن الحراك المجتمعي والسياسي الحقيقي من دون أي تدخل في مجرياتها.
نعي تماما أن الإصلاح ليس لغزا يتطلب الحل، ولا متاهة واسعة ينبغي علينا السير في دهاليزها الكثيرة المتشعبة لاكتشاف المخرج في النهاية، بل هي إرادة حقيقية للتغيير يمكن أن نصنعها بالقوانين المعمول بها حاليا كمرحلة أولى، وأن نترك تطوير البنية التشريعية إلى مرحلة قادمة نكون خلالها قد امتلكنا رؤية أكثر وضوحا حول ما يتوجب تغييره، وإلى أي المسارات يمكن تغييره، لا أن نلجأ إلى تغيير القوانين اليوم لنكتشف بعد أشهر قليلة أننا أخطأنا المسار، وأنها في حاجة إلى مراجعة ثانية وتطوير وتغيير من جديد.
النقطة الأساسية التي يتوجب أن نركز عليها في أي محاولة إصلاح ننتهجها هي الدستور الذي نعيش تحت مظلته، والذي يمتلك من المقومات ما يغنينا عن كثير من التنظيرات الفارغة التي نضطر إلى سماعها بشكل شبه يومي. الدستور أولا، وأن لا نترك للقوانين المتعارضة معه؛ نصا وروحا، أن تحدد مسارنا. وبالتأكيد علينا أن ننجز مهمة الفصل التام بين السلطات، وأن نقوم بدعم مؤسسات الرقابة الشعبية، وتفعيل أدواتها. أظن أنها وصفة بسيطة تليق بمن يريد بداية جديدة!