الإعلام حين يشترك في الخديعة!

في تصريحاته الصادمة لبرنامج واسع الانتشار على فضائية محلية، عرّى الدكتور منذر الحوارات إجراءات الحكومة في مواجهة جائحة كورونا، واعتبر أنها لم تستعد بما فيه الكفاية لمواجهة سيناريوهات تضاعف الأرقام.اضافة اعلان
في الحقيقة، هذا ليس التقييم الموضوعي الأول للإجراءات الحكومية، فقد حذر خبراء كثر، بعضهم منخرطون في خلية الأزمة ولجنة الأوبئة، من التراخي الحكومي الكبير، وذهب بعضهم إلى اعتبار الحظر الشامل والإغلاقات جريمة، بينما أكد آخرون أن الخلل الذي تمثل بتسرب الإصابات عبر الحدود البرية نتيجة غياب السياسات والإجراءات جريمة كبيرة ينبغي للحكومة أن تحاسب عليها.
منذ أشهر، كتبت أنا ومجموعة قليلة جدا من الصحافيين والإعلاميين عن «استراتيجيات» الحكومة في تصديها الجائحة، والتي تميزت بالتمثيل غير المتقن، والكذب على رؤوس الأشهاد، وإطلاق التهديدات للمواطن، والتصرف بفوقية كبيرة كما لو أنها سيد والشعب عبيد لديها!
منذ منتصف شهر آذار (مارس) الماضي، لم تفعل الحكومة شيئا مهما، سوى التمثيل والاستعراض، وتخريب القطاعات الاقتصادية المختلفة بإغلاقات عبثية، وفرض حظر شامل على كل الناس، واللجوء إلى الحلول الأمنية بدلا من التفكير بسياقات عقلانية لوباء لا بد أن يأتينا مهما أخرنا قدومه، ناهيك عن التضييق على الحريات، وحبس المخالفين والمنتقدين، كما لو أنها لا تريد لأحد أي يتنفس!
نعلم أن عمر الحكومة قصير جدا، وأن «الضرب في الميت حرام»، ولكن يحق لنا أن نقدم مراجعة سريعة في أدائها، خصوصا أننا كنا حذرنا مرارا من العبث الذي تقوم به. ومع ذلك، فمقالي هذا غير مخصص لنقد الحكومة، بل لمواجهة أداء الإعلام الذي لم يمارس دوره الحقيقي والأخلاقي كمراقب ومحاسب للأداء الحكومي، بل انخرط مع الحكومة في تبجيل الأعمال الصبيانية التي تقوم بها.
على مر أسابيع الأزمة، بقي الإعلام يراوح مكانه، وتحدث كثيرون عن ضغوطات تمارس على وسائل الإعلام المختلفة لكي تبقى «محايدة» على أقل تقدير في تقييم منهجية الحكومة في تعاملها مع الأزمة. لكن، لنعترف أن الإعلام لم يرضَ لنفسه أن يكون محايدا، بل اشترك بـ»فاعلية» في الترويج للإجراءات العبثية والصبيانية للحكومة، وكرّس صورة «المسؤول النجم»، متخطيا في ذلك جميع المحذورات التي ترسّم العلاقة بينه والسلطة التنفيذية.
لقد سيطرت الحكومة، ومن خلال ممارسات وسبل عديدة، على الإعلام بأكمله، فبات مجرد بوق لها، أو صدى لصوتها، حتى غدا الترويج لسياساتها واحدا من المهام الأساسية اليومية لإعلامنا الوطني.
أحد البرامج الحوارية عالية المشاهدة، تخصص في عمليات «التلميع» و»الترويج»، حتى ان وزيرا اشترك في إحدى حلقات البرنامج، تم «زفّه» نزولا حتى باب المحطة، بينما اشترك كثيرون من القناة في التصفيق له، في تصرف أقل ما يقال عنه إنه مستهجن ولا ينبغي للإعلام أن يقوم به، كما لا يمكن أن يندرج ضمن مهامه التي تبلورت على مدى عقود في التثقيف والتنوير والمراقبة والكشف.
يحق لنا اليوم أن نضع الإعلام الأردني تحت المجهر، وأن نخضعه هو الآخر للتقييم، وأن نطلب منه أن يتصف بالشفافية التي يطالب الآخرين أن يتصفوا بها، وأن يعدل مسيره بما يحقق المصلحة الوطنية التي لا تنضوي تحت جناح السلطة التنفيذية فحسب، بل أيضا في مصلحة المواطن الذين تمت خديعته من الإعلام على مدار أشهر طويلة.
اليوم، نصحو على حقيقة أن نظامنا الصحي يمكن له أن ينهار إن واصلنا تسجيل هذا العدد الكبير من الإصابات اليومية، أو في حال ارتفاع أعداد الإصابات التي تحتاج إلى ربط بأجهزة التنفس وعناية حثيثة. قبل أسابيع قليلة، كان الإعلام ما يزال يصفق بحرارة للمسؤول الحكومي، بينما توارى تقصير الاثنين خلف كواليس معتمة؛ تقصير المسؤول الحكومي بالاستعداد الحقيقي لسيناريو مثل هذا، وتقصير الإعلام في مواجهة المسؤول بهذه الحقيقة، وعرضها للرأي العام الذي تم تخديره وإفهامه أننا نحقق ما لا يحققه العالم المتقدم.
ها هو ذا الإعلام نفسه، يبدأ اليوم بنفض الغبار عن صورته، والخروج من معطف «التبعية الحكومية»، ليقدم رواية أخرى عن الواقع المحلي، فهل صحح الإعلام مساره، أم أن المسألة تتعلق بحكومة تذهب وأخرى تجيء، من دون أن يفكر الإعلام بأن يمتلك موقفا أخلاقيا يؤهله لاستحقاق لقب «السلطة الرابعة»!!