الإعلان الذي لم يهمني

جنود إسرائيليون بكامل اسلحتهم خلال مواجهات مع الفلسطينيين قرب رام الله.-( ا ف ب )
جنود إسرائيليون بكامل اسلحتهم خلال مواجهات مع الفلسطينيين قرب رام الله.-( ا ف ب )

هآرتس

أوري افنيري  24/4/2018

قبل بضعة أيام احتفلت إسرائيل بعيد ميلادها السبعين، خلال أيام متواصلة لم اسمع عن أي شيء آخر، فقط خطابات لا تعد ولا تحصى، مليئة بالأقوال الفارغة واحتفال كبير من الفن الهابط الذي وصل إلى الذروة بعرض ميري ريغيف الطفولي.اضافة اعلان
الجميع يوافقون على أن تلك كانت لحظة تاريخية، مثلما قام بن غوريون في قاعة صغيرة في تل ابيب وأعلن عن اقامة الدولة. كل من عاش في ذلك الوقت سئل أين كنت في تلك اللحظة؟ ما الذي شعرت به عندما طرق التاريخ بابك؟.
اجل، أنا كنت هناك، أنا أشهد بأنني لم أشعر بأي شيء.
كنت جنديا في الجيش الجديد، الذي لم تتم تسميته بعد الجيش الإسرائيلي. وحدتي اقامت معسكرا صغيرا للخيام في خلدا. كان علينا ان نهاجم في الليل القباب، قرية قرب الرملة. لقد توقعوا معارضة شديدة، وكنا مشغولين بالاستعداد للمعركة، عندما جاء شخص يركض الينا وقال "بسرعة! بن غوريون يعلن في غرفة الطعام عن اقامة الدولة!". في غرفة الطعام في الكيبوتس كان جهاز راديو، الوحيد في المنطقة، الجميع ركضوا إلى هناك وكذلك أنا.
للحقيقة، فإن الإعلان عن الدولة لم يهمني. فقد كنا في وسط حرب قاسية – قاسية للطرفين – وعرفنا أن الحرب هي التي ستحسم في نهاية المطاف إذا كانت ستكون دولة أم لا. إذا انتصرنا ستكون دولة وإذا هزمنا فلن تكون دولة، وحتى نحن لن نكون موجودين. أي خطاب سياسي في تل ابيب لن يغير شيئا. لكن كان لدي حب استطلاع بشأن موضوع واحد: ماذا سيكون اسم الدولة الجديدة؟ كان هناك اقتراحات كثيرة وأنا اردت معرفة أي اسم تم اختياره في نهاية المطاف. عندما سمعت اسم "إسرائيل" خرجت من غرفة الطعام وعدت لتنظيف بندقيتي.
بالمناسبة، المعركة القاسية لم تحدث. عندما هاجمنا القرية من جهتين، هرب السكان. دخلنا إلى بيوت فارغة، الطعام كان موجودا على الطاولات وكان ما يزال ساخنا. لم يسمح للسكان بالعودة في أي يوم من الأيام. في ذلك المكان اقيمت مستوطنة باسم مشمار أيلون. في صباح اليوم التالي تم نقل سريتي (سرية ب، لواء 54، جفعاتي) إلى الجنوب، الجيش المصري قام بغزو البلاد والقيت علينا مهمة وقفه قبل وصوله إلى تل ابيب، لكن هذه قصة اخرى.
بن غوريون الذي سمعته في ذلك اليوم في راديو الكيبوتس، تحول منذ ذلك الوقت إلى البطل القومي لكل الأوقات، الرجل الذي أقام دولة إسرائيل.
في الأسبوع الماضي بث في التلفاز فيلم وثائقي عنه. المخرج هو رفيف دروكر، الصحفي الممتاز. وقد أظهر في فيلمه بن غوريون كما كان حقا، بسلبياته وايجابياته. بالمقارنة معه فإن من جاء بعده في مكتب رئيس الحكومة كانوا من الدرجة الثانية، ولا نريد ذكر الساكن الحالي.
كان ذاك بن غوريون الذي اتخذ قرار اقامة الدولة في لحظة، فيها آخر الحكام البريطانيين خرج من البلاد، وأربعة جيوش عربية كانت مستعدة للدخول اليها. اصدقاء بن غوريون خافوا، وكانت حاجة لدفعهم. في الحقيقة، لا أظن أن القرار كان مهما جدا. لو تم تأخيره لبضعة أشهر لما كان ذلك سيغير في الأمر شيئا. بعد انتصارنا في الحرب كان يمكننا الإعلان عن اقامة الدولة في أي وقت نشاء.
فيلم دروكر دقيق في معظمه، لكن ليس عندما يظهر جمهور تل ابيب وهو يهتف في الميادين والشوارع لصالح الإعلان عن الدولة. هذا التزييف تم عرضه مرات كثيرة، إلى درجة أنه يمكن العفو عن دروكر على أنه صدقه. الحقيقة هي أن الجمهور المصور هتف لقرار الأمم المتحدة في تشرين الثاني 1947 عندما قررت الأمم المتحدة تقسيم البلاد بين دولة عربية ودولة يهودية (مع القدس وحدة منفردة). عندما أعلن بن غوريون عن اقامة الدولة في 14 أيار، الشوارع كانت فارغة، الشباب كانوا في الجيش وكبار السن كانوا أكثر قلقا من اجل الخروج للهتاف في الشوارع.
في تلك الحرب قتل حوالي 6300 شخص، من بين السكان اليهود الذين كان عددهم حوالي 630 ألفا. هذا يشبه وكأنه قتل اليوم 3 ملايين أميركي، كثيرون آخرون اصيبوا، "وأنا المسكين من بينهم". الخسائر في الجانب العربي كانت أكبر بالأرقام المطلقة.
بن غوريون تدخل أكثر من مرة خلال الحرب، بعض قراراته كانت خاطئة وكلفت ضحايا كثيرة، مثل الهجوم الزائد اللطرون، كما أنه غير طابع الجيش بصورة اغضبت الكثيرين عندما غير النظام الجيد للبلماخ إلى النظام القديم للجيش البريطاني، لكن كل تلك القرارات الجيدة والسيئة كانت هامشية مقابل قراره تحويل الدولة الجديدة إلى جزء من الجبهة الغربية ضد العالم العربي. وحسب برخا حباس، كاتبة سيرته الذاتية الأولى، فقد كان يشمئز من العرب ومن الثقافة العربية منذ اللحظة التي وطأت اقدامه ارض يافا. وكرئيس للحكومة قمع الاقلية العربية في الدولة ورفض ترسيم حدودها.
السبب العميق لمقاربته تلك كان في حينه والآن أيضا هو الطموح الاساسي للصهيونية باخذ من العرب اراضيهم من اجل ان يقيموا عليها الأمة اليهودية الجديدة. الصهاينة لم يعترفوا بذلك في أي يوم، لكن ذلك كان واضحا منذ البداية. كل ورثة بن غوريون (ربما باستثناء اسحق رابين خلال فترة قصيرة، عملوا ويعملون حسب هذا الخط.
أيضا في يوم ميلادها السبعين إسرائيل لا تعترف بحدود رسمية رغم أن لها اتفاقي سلام رسميين ، وعلاقات غير رسمية مع دول اخرى. نحن نكره مئات ملايين العرب ومليار ونصف مليار مسلم في العالم، وإضافة إلى ذلك نحن نوجد في حرب مع كل الشعب الفلسطيني. هذا هو الارث الحقيقي لبن غوريون.
يجب الاعتراف أن بن غوريون كان قائدا شجاعا رغم انه كان مناهضا صلبا للشيوعية، فانه طلب من ستالين أن يرسل له كميات كبيرة من السلاح الذي ساعدنا في الصمود في حرب الاستقلال. بعد 8 سنوات على الكارثة اخذ الأموال من المانيا لأن الدولة كانت في أزمة شديدة. لقد دخل في مؤامرة سيئة مع فرنسا وبريطانيا لاسقاط أكثر شخص يكرهه وهو جمال عبد الناصر. في النهاية احاط نفسه بشباب طموحين مثل موشيه ديان وتيدي كوليك وبيرس واهود غبرئيل وغيرهم. شركاؤه العجائز بدأوا يخافون منه، وبجهد مشترك قاموا بعزله. جهوده لاقامة حزب جديد والعودة إلى السلطة لم تنجح. في النهاية صنعنا نوعا من السلام أيضا بيننا.
إذا نظرنا اليوم إلى كل تاريخه علينا الاعتراف أن تاثيره على دولة إسرائيل الحالية كبير، خيرها وشرها، بن غوريون وضع الخطوط التي تسير عليها الدولة حتى في سنتها الواحدة والسبعين.