الإنجيليون: رياح نهاية العالم تهب من أميركا الشمالية حتى القدس

إنجيليون تابعون لمنظمة "مسيحيون متحدون من أجل إسرائيل" يتظاهرون لدعم إسرائيل في القدس المحتلة (2008) - (أرشيفية)
إنجيليون تابعون لمنظمة "مسيحيون متحدون من أجل إسرائيل" يتظاهرون لدعم إسرائيل في القدس المحتلة (2008) - (أرشيفية)

فلسطين نايلي* - (أوريان 21) 9/11/2021

هل يمثل الإنجيليون آخر سور أمام التوسع الصهيوني؟ أم أنهم، على العكس من ذلك، حلفاء غير طبيعيين لإسرائيل؟ على الرغم من أن أغلبهم يقفون إلى جانب أقصى اليمين الإسرائيلي، فإن جزءا منهم يعتبر اعتناق اليهود للمسيحية شرط خلاص ديانتهم.

  • * *
    "بينما يتواصل الصراع، وبينما يحاول قادة العالم إيجاد حل سلمي لقضايا الشرق الأوسط، تزداد مسألة القدس أهمية". كان هذا ما كتبه في 30 أيار (مايو) 2021 على حسابه على "تويتر" القس الأميركي جون هاجي، بعد أيام من وقف إطلاق النار الذي وضع حدا لأحد عشر يوما من القصف المكثف على غزة من قبل الجيش الإسرائيلي، وإطلاق حماس الصواريخ على إسرائيل. وكان السبب في نشوب هذه الأزمة هو تهديد إسرائيل بترحيل أهالي حي الشيخ جراح بالقدس. وقبل خمسة أيام من هذه التغريدة، كان القس نفسه قد غرد على الحساب نفسه: "مستقبل القدس هو في قلب المخطط الأزلي للرب. لا يغرنكم، فسينتزع الرب، وسيستعيد، وسيرمم، وسيعيد تنظيم، وسيجدد، ويعيد التوزيع والالتزام والابتياع، حتى تصبح هذه المدينة المقدسة جوهرة مدن الأرض".
    ليس الكلام من هذا النوع مفاجئا في الحقيقة، فصاحبه هو مؤسس منظمة داعمة لإسرائيل تدعى "مسيحيون متحدون من أجل إسرائيل"، ويصل عدد أعضائها في الولايات المتحدة الأميركية إلى سبعة ملايين شخص. وهؤلاء الإنجيليون الأصوليون مقتنعون بأن استقرار اليهود على الأرض المقدسة، وتأسيس دولة إسرائيل (1948)، واحتلال إسرائيل للقدس الشرقية (1967)، هي علامات تبشر بعودة المسيح. كما أن فكرة "نشوة الطرب للكنيسة" -أو "الاختطاف" rapture كما تسمى بالإنجليزية، أي صعود الكنائس إلى السماء للقائها بيسوع المسيح- هي مصطلح شائع في علم الأمور الأخروية، خاصة في منهج التدبيرية -أو القدرية dispensationalism (1). لذلك، فرح جون هاجي بأحداث شهر أيار (مايو). إنها لم تكن بالنسبة إليه سوى علامة جديدة: "عندما أقول إن "الاختطاف" وشيك، أي أنه يمكن أن يحدث في أي وقت.. فإنني لا أبالغ، بل بالعكس، أنا حذر في تعبيري. إذا لم تكونوا جاهزين فاستعدوا، لأننا على وشك الرحيل من هذا العالم"! (2).
    خلال فترة رئاسة دونالد ترامب، تفاقم تأثير دعم الأوساط التبشيرية الأميركية لدولة إسرائيل التوسعية على السياسة الأميركية في الشرق الأوسط -علما بأن تأثيرها كان مهما حتى قبل العام 2017- على الرغم من أن بعض الأصوات في صفوف أجيال الإنجيليين الجدد تعارض قراءات الكتاب المقدس التي يروج لها هاجي، لا سيما في علاقتها بقضية إسرائيل وفلسطين. وهكذا، حقق الرئيس الجمهوري السابق ذلك الوعد القديم بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، امتثالا لـ"قانون سفارة القدس" الذي تم التصويت عليه في العام 1995 تحت ضغط الإنجيليين. وبهذا القرار، أثلج ترامب صدر المستوطنين الإسرائيليين وداعميهم. كما أنه حقق، من خلال ما سماه "صفقة القرن" أو مشروعه للسلام في الشرق الأوسط، أمنيات اليمين واليمين المتطرف الإسرائيلي، ومسانديهم في صفوف الإنجيليين.
    لكن وصول جو بايدن إلى الحكم لم يقلل من نفوذهم أو يكسر شوكتهم. في العاشر من أيار (مايو) 2021، دعا رون درمر، سفير إسرائيل السابق في الولايات المتحدة الأميركية، على صفحات الجريدة الإسرائيلية الليبيرالية "هآرتس" إلى تعزيز العلاقات مع الأوساط التبشيرية الإنجيلية عوضاً عن الطائفة اليهودية الأميركية، نظرا لأن هذه الطائفة تصبح أكثر فأكثر انتقادا لسياسة الدولة العبرية، كما أنها أقل عددا من الإنجيليين (3).
    ولكن، لم يهتم الإنجيليون بإسرائيل إلى هذا الحد؟ وما المكانة التي يحظى بها اليهود في علم الأمور الأخروية؟
    حتى نفهم ذلك، يجب الرجوع إلى غداة "الإحباط العظيم" الذي حدث سنة 1844 في الولايات المتحدة الأميركية، وأن نذكر بمفسرَين لنظرية نهاية العالم غاب اسماهما في طيات التاريخ، وهما القس ويليام ميلر وأحد أتباعه وهي كلوريندا ماينور.
    إخفاق النبوءة و"الإحباط العظيم"
    دائما ما حظيت نبوءات نهاية العالم بمكانة مركزية في تفسير العهدين، القديم والجديد. ويتم تجميع أفكار التفسير البروتستانتي تحت عبارة "الإيمان بالعصر الألفي"، أي بفترة مستقبلية بألف عام من النعمة. ومن بين هؤلاء، يؤول أتباع منهج التدبيرية الكتاب المقدس بطريقة حرفية، ويرون في نصوص نهاية العالم نبوءات أحداث مستقبلية. ولذلك، فهم يبحثون عن "علامات الساعة" في الأخبار، ويقرؤون الأحداث التاريخية على ضوء نهاية العالم التي ينتظرونها. وقبل جون هاجي، أعلن كثيرون عن قدوم النهاية.
    من بين هؤلاء ويليام ميلر، الذي كان واعظا معمدانيا في القرن التاسع عشر والذي أسس حركة "الميلريين". قادته دراسته للتواريخ المذكورة في الكتاب المقدس إلى استنتاج مفاده بأن نهاية العالم وعودة يسوع المسيح ستتحققان بين العامين 1843 و1844، ليبدأ بذلك "عهد جديد". وخلال جولته في المدن الكبرى للشرق الأميركي من أجل التعريف بنبوءته، جلب ويليام ميلر إليه عديد الأتباع. وفي 22 تشرين الأول (أكتوبر)، كان ما بين 50 ألفا و100 ألف "ميلري" ينتظرون عودة المسيح، حتى أن بعضهم ترك منزله وعمله لاقتناعهم بأن نهاية العالم أصبحت وشيكة.
    وللأسف. لم يتحقق مجيء المسيح الثاني، وغرق أتباع ميلر في "الإحباط العظيم". بعد ذلك، عاد كثيرون منهم إلى طقوسهم التقليدية، لكن البعض الآخر بقي مؤمنا بنبوءة ميلر ومقتنعا بأن ما يجب فعله هو إعادة العمليات الحسابية وإعادة التفكير في الاستعدادات اللازمة لعودة المسيح.
    من "هنود" الغرب إلى فلسطينيي الشرق
    نجد في المجموعة الثانية كلوريندا ماينور التي كانت تنتمي إلى الوسط التجاري بمدينة فيلادلفيا. بعد "وحي" ما، قامت كلوريندا بتصحيح نبوءة ميلر وإضافة فترة استعداد يفترض على يهود فلسطين خلالها أن يلعبوا دورا مهما، وأن تكون هي وسيلة لتحقيقها. فبالنسبة لماينور، لا يمكن للنبوءات أن تتحقق في أميركا الشمالية، وإنما على الأرض المقدسة. وكانت قصة حجها إلى فلسطين (1849-1850) بعنوان "ميشولام! أو "أخبار من القدس" التي نشرت سنة 1851 نداء لمساندة المستوطنة الزراعية الأولى التي أقامها في قرية أرطاس بفلسطين جون ميشولام، وهو بريطاني يهودي اعتنق المسيحية الأنجليكانية المؤمنة بالعصر الألفي. وبالنسبة لماينور، فقد كان هذا المشروع يتوافق تماما مع رؤيتها "التنبؤية" حول مستقبل فلسطين. فهذه المستوطنة الزراعية التي تقع جنوب بيت لحم يديرها يهودي اعتنق المسيحية، ويطمح إلى مساندة يهود القدس الفقراء من خلال تعليمهم الزراعة. وهو بذلك يعد الأرضية لعودة اليهود، ومن خلالها المجيء الثاني للمسيح.
    يلعب اليهود فعلياً دورا أساسيا في نبوءة نهاية العالم، إذ يفترض أن يجسدوا الوعود التي قطعت لإسرائيل في الكتاب المقدس. ويعتبر البعض أن اليهود هم أحفاد النبي إبراهيم وإخوة اليسوع (4) الطبيعيون، وعليه يجب أن يجتمعوا في الأرض المقدسة للاستعداد لعودة اليسوع، لا سيما من خلال إعادة تأسيس مملكة داوود وإعادة بناء المعبد.
    لا يكتفي كتاب كلوريندا ماينور فقط بتوضيح قراءة المؤمنين بالعصر الألفي لعلم الأمور الأخيرة، بل يوضح كذلك عقيدة المستوطنين "الرواد" في أميركا، حيث تم نقل الخط الحدودي الذي كان موجودا في شمال القارة الأميركية إلى الشرق الأوسط. كان الأتباع الإنجليز للمذهب التطهيري يعتقدون بأنه سيتم إرساء مملكة الله على الأرض في شمال القارة الأميركية، في إنجلترا الجديدة، لتنخرط بذلك هذه العملية الاستعمارية في تاريخ الخلاص. ووفقاً للمؤرخ أسامة مقدسي، فإن الإنجيليين المؤمنين بالعصر الألفي "يجسدون شعورا متجددا بالمهمة، وهو وليد امتحان غزوة البيض وهزيمة الهنود في العالم الجديد" (5).
    القضاء على العرب في الفصل الأول
    تروي كلوريندا ماينور قصة حجها إلى فلسطين بجمل ملؤها التعابير المجازية والاستعارات، وتظهر من خلالها فلسطين كـ"بيت حزين ومهجور" ينتظر عودة أصحابه الحقيقيين، أي اليهود المنفيين. أما سبب الحزن المخيم على هذا البيت، فهو وجود العرب الذين تعرفهم ماينور كـ"أبناء إسماعيل المتوحشين". ولذلك، تدعو ماينور المؤمنين بالعصر الألفي إلى التدخل للتحضير لـ"عودة" اليهود إلى الأرض المقدسة. ومن المفروض أن تسفر هذه العودة عن تغير كلي للبلاد كما تكتب ماينور في هذه الفقرة:
    "ها هي القدس تمتد تحت أقدامنا كالخريطة، وها هي الأرضية الجميلة لمكان المعبد، […] أما فوق، باتجاه اليسار، فتظهر شرفات صهيون العالية، والباب المغلق الذي ينتظر في صمت خاشع أن يأتي من يجب أن يحكم، وأن يفتح مصراعيه اللذين لم يستكشفهما أحد طوال هذه السنين. لم نلتق في طريقنا بأي عربي، وحولنا، تمارس التلال المعزولة والصامتة طقوس السبت معنا. وبدا وكأن حضورا مقدسا كان يطفو على الجبل، فانتابني الخوف… ودعوت من أجل مجيئه بسرعة. […] وبينما كنا نصلي، مرت علينا غيمة مباركة لا يمكن للكلمات أن تصفها. وللحظة، لم أعد أرى أكوام الحطام والدمار، ولا معبد المسلمين، بل كنت أرى مكان كل ذلك قيام مدينة طاهرة وجميلة، يتوسطها بكل ما أوتي من مجد، ملك العدالة".
    لا مكان للعرب إذن في الرؤية التي تحملها كلوريندا ماينور للقدس الجديدة، ولا للمساجد طبعا التي ستختفي مع حطام نهاية العالم. فمكان القدس الحالية، ستولد مدينة جديدة "طاهرة وجميلة"، من دون سكان عرب ومن دون آثار الحضارة الإسلامية. وسيحدث هذا التغيير من دون حاجة إلى استعمال القوة، أو التطهير العرقي، أو التدمير الهائل للبيوت والمساجد، بل فقط من خلال صنيع إلهي.
اضافة اعلان

واختفاء اليهود في الفصل الرابع أيضاً
لكن اليهود ليسوا في مأمن هم أيضاً، على الرغم من الدور الرئيسي الذي يلعبونه في قدوم العهد الجديد. فوفق بعض القراءات، يجب عليهم اعتناق الديانة المسيحية للنجاة: "المفهوم الإنجيلي يتجلى من خلال مسرحية في خمسة فصول، والتي يختفي اليهود في فصلها الرابع" (6)، وفق رؤية الصحفي غيرشوم غورنبرغ، مؤلف كتاب "نهاية الأيام" The End of Days. وقد أثبت الجدل الذي تسبب فيه إطلاق قناة تبشيرية تحمل اسم "GOD TV" في ربيع العام 2020 ضمن القنوات الأرضية في إسرائيل، أن اعتناق اليهود للمسيحية ما يزال خطا أحمر في إسرائيل، على الرغم من استحسان دعم الإنجيليين(7). وبالنسبة لجون هاجي كما كان لكلوريندا ماينور من قبله، فإن مسألة اعتناق اليهود للمسيحية أقل أهمية من الدعم القوي لإسرائيل. وكتب هاجي على حسابه على "تويتر" في 19 أيار (مايو) 2021: "إن مبدأ الكتاب المقدس المتعلق بالازدهار الشخصي مرتبط بمباركة إسرائيل وبالصلاة من أجل مدينة القدس". وليس هذا القس مؤسس منظمة "مسيحيون متحدون من أجل إسرائيل" فقط، بل هو موجود كذلك على لائحة منظمة "حلفاء إسرائيل" التي أحصت أهم خمسين شخصية مساندة لإسرائيل، إلى جانب نائب الرئيس السابق مايك بنس، والسفيرة الأميركية السابقة لدى الأمم المتحدة نيكي هالي. كما اعترفت إسرائيل بجون هاجي كأحد أهم مساهميها في الذكرى السبعين لإنشاء دولة إسرائيل. وكان هاجي نفسه هو الذي تلا صلاة المباركة في 14 أيار (مايو) 2018، بمناسبة حفل افتتاح السفارة الأميركية في القدس.

*فلسطين نايلي: مؤرخة مشاركة في المعهد الفرنسي للشرق الأوسط، متخصصة في التاريخ الاجتماعي لفلسطين والأردن في فترة نهاية العهد العثماني وأثناء الانتداب البريطاني. ترجمت المقال من الفرنسية سارة قريرة.
هوامش:
(1) تعتمد التدبيرية، أو القدرية، على تفسير حرفي للكتاب المقدس، وتقسم علاقة الله مع الجنس البشري إلى سبعة "أقدار" أو حقب زمنية. ويشدد هذا المنهج على الفصل بين إسرائيل كشعب يهودي أو شعب الله على الأرض، والكنيسة أو شعب الله في السماء، خلافا للمسيحية التقليدية التي ترى في الكنيسة وريثة الوعود التي أعطاها الله لإسرائيل، ما يجعلها تمثل إسرائيل الجديدة التي تسعى بشوق لبلوغ أورشليم السماوية. ويعد الإنجليزي جون نلسون داربي (1800-1882) من أهم مؤسسي هذا المنهج.
(2) غريغوري خليل، Christians must rethink their reflexive support for Israel، "الواشنطن بوست"، 27 أيار (مايو) 2021.
(3) كورا ألدر وإيمانويل شاوبلين، US Evangelicals, from Prophecy to Policy، مجلة Policy Perspectives 8/11 أيلول (سبتمبر) 2020.
(4) فكرة منتشرة بكثرة خاصة لدى "الميلريين".
(5) أسامة مقدسي، Artillery of Heaven, American Missionaries and the Failed Conversion of the Middle East، صدر في العام 2008 عن مطبعة جامعة كورنيل، إثيكا، الصفحة الرابعة.
(6) سيلفان سيبال، "Les tribulations des chrétiens américains en Israël"، جريدة "لوموند"، 16 كانون الأول (ديسمبر) 2002.
(7) جونثان توبينن، "Evangelicals Trying to Convert Jews: A Fair Price for Christian Support for Israel ?"، "هآرتس"، 11 أيار (مايو) 2020.