"الاتحاد الاشتراكي" المغربي.. هل تغرب شمس أكبر أحزاب اليسار؟

الرباط- مواقف عديد اتخذها في الآونة الأخيرة، أثرت كثيرا في رصيد حزب الاتحاد الاشتراكي المغربي، الشريك في الائتلاف الحكومي المغربي، مما دفع البعض إلى التساؤل حول أفول نجم أكبر أحزاب اليسار في المملكة. أحدث هذه المواقف هو تقديم وزير العدل، محمد بنعبد القادر، المنتمي للحزب، في أبريل/ نيسان الماضي، مشروع قانون شبكات التواصل الاجتماعي، المعروف إعلاميا بقانون "تكميم الأفواه"، مما أثار نقاشا واسعا داخل الحزب، ولدى الرأي العام، الذي انتفض رافضا المشروع، معتبرا أنه يقيد الحريات. وأعلن "بنعبد القادر"، في 3 مايو/ أيار الجاري، تأجيل نظر المشروع "22.20"، وإجراء مزيد من المشاورات بشأنه. وأرجع التأجيل إلى "الظروف الخاصة التي تجتازها البلاد، في ظل حالة الطوارئ الصحية، إلى حين انتهاء هذه الفترة"، في إشارة إلى جائحة فيروس "كورونا المستجد" (كوفيد-19). وينتمي للاتحاد الاشتراكي مفكرون كبار ووزراء ومسؤولون، مثل السياسي البارز، عبد الرحمن اليوسفي، الذي توفى الجمعة الماضي عن 96 عاما، والمفكر والفيلسوف، محمد عابد الجابري. وقاد اليوسفي الحزب وشارك في الانتخابات البرلمانية، عام 1997، حيث تصدر الانتخابات، ثم قاد الحكومة بين 1998 و2002. وفي 2002 احتل الحزب المرتبة الأولى في الانتخابات، لكن العاهل المغربي عين وزير داخليته السابق، إدريس جطو، غير المنتمي لأي حزب، على رأس الحكومة، فاعتبر اليوسفي أن المغرب حاد "عن المنهجية الديمقراطية"، واعتزل العمل السياسي. معالجة محدودة قال المحلل السياسي، رشيد الأزرق، للأناضول، إن "الاتحاد الاشتراكي انتقل من حزب كبير يُحسب له ألف حساب إلى ما هو عليه اليوم". وأضاف أنه "كان حزبا كبيرا له رؤية واضحة ومتقدمة في وقت سابق، لكنه ورغم تاريخه الحافل تحول إلى حزب عادي، أظهر محدودية في التعامل مع عدد من الأحداث". ويرى مراقبون أن تراجع قوة "الاتحاد الاشتراكي" تأتي في سياق تراجع أدوار بقية الأحزاب، وأنه كغيره يمكن أن يعود إلى سابق عهده، إذا رجع عدد من قيادييه البارزين إلى صفوفه. انقسامات داخلية البيت الداخلي لـ"الاتحاد الاشتراكي" ليس في أفضل أحواله، فعدد من أعضائه البارزين تواروا إلى الظل، بينهم قياديون ووزراء ومسؤولون سابقون، فدب الوهن في حزب كان صوت المغاربة في أوقات سابقة. ولا يزال أعضاء غاضبون ينتقدون قيادة الحزب، رغم أنه أطلق، في يناير/ كانون ثاني الماضي، مبادرة صلح تجاوب معها قياديون ورفضها آخرون. وبعد الضجة التي أثارها مشروع قانون الشبكات الاجتماعية، اجتمع المكتب السياسي للحزب (أعلى هيئة تنفيذية بالحزب)، الخميس الماضي، بدعوة من ثلث أعضاء المكتب، لكن الاجتماع، بحسب تقارير إعلامية، لم يتطرق لهذا المشروع. تصحيح المسار قال حسن النجمي، قيادي بـ"الاتحاد الاشتراكي"، إن "الخلاف الآن ليس معي فقط، بل مع شعب بكامله الذي يصرخ رافضا هذا السقوط المدوي (بشأن مشروع القانون)، ومستنكرا سلخ الجلد". وأردف النجمي، في تدوينة بـ"فيسبوك" عقب نقاش حول المشروع، أنه لا يتزعم حركة انشقاق جديدة في الحزب، ويدرك أن العمل الذي ينبغي القيام به لاستعادة الحزب وتصحيح مساره الفكري والأخلاقي والسياسي والتنظيمي، لا يمكن أن يتم إلا من داخله. وتابع: "القاعدة الاتحادية داخل المغرب وخارجه لا تعرف أي شيء عن نقاشات المكتب السياسي المحتدمة. وأود أن أؤكد أننا لسنا كلنا في القيادة الحزبية على توافق مع الكاتب الأول (رئيس) الاتحاد الاشتراكي (إدريس لشكر) ومع الأخ محمد بنعبد القادر(وزير العدل)". وشدد على أن مشروع القانون "لا علاقة له لا من قريب ولا من بعيد بالاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ولا بمبادئه وقيمه ومرجعيته، وتاريخه، ومدونة نضالاته، وكتاب شهدائه". واعتبر أن "مسؤولية هذا الانحراف يتحملها أساسا كل من الكاتب الأول والأخ محمد بنعبد القادر". ومضى قائلا: الحزب ليس مقاولة (شركة) خاصة أو ضيعة شخصية يتصرف فيها الكاتب الأول بمزاجه. ويكفي أنه بهدل حزبنا ومرغ سمعته في الأوحال، ولايزال. وتأسس حزب "الاتحاد الاشتراكي" عام 1959، وظل في المعارضة، وتعرّض بعض أعضائه للاعتقال والقمع خلال ما عُرفت بسنوات "الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان" في المغرب، قبل أن يقود الحكومة بزعامة اليوسفي، عقب تغيير الدستور، عام 1996. وفي ظل أزماته الداخلية والخارجية المتوالية، تتصاعد تساؤلات في المملكة بشأن قدرة "الاتحاد الاشتراكي" على الإمساك بعقد الحزب، كي لا ينفرط في الساحة السياسية، لاسيما قبل انتخابات برلمانية وبلدية مقررة في 2021.-(الأناضول)اضافة اعلان