الاتصالات السرية بين عمان وواشنطن

الاتصالات الأردنية الأميركية الأخيرة لم يتم التعبير عنها سياسيا في الأردن بشكل واضح ومباشر، خصوصا انها على صلة حساسة بملف صفقة القرن وتأثيره على الأردن أولا، وهي اتصالات بقيت سرية من حيث مضمونها ونتائجها، على كل المستويات.اضافة اعلان
هذا شأن خطير، ولا بد من التحدث الى الناس، بشكل مباشر، وواضح، ومحدد، وتفصيلي، حول الذي تريده الإدارة الأميركية من الأردن، بخصوص صفقة القرن، وملف القدس، وملف العلاقة الأردنية الفلسطينية، وماهي التصورات الأميركية للحل، بدلا من ترك الامر للتسريبات المحدودة، سواء داخل الأردن، او عبر الاعلام الأميركي، او عبر جهات أخرى.
الصيغ التي تتسرب حول الحل القائم على إدارة السكان في الضفة الغربية، عبر رابط سياسي مع الأردن، او الحل الاقتصادي لقضية سياسية، والمعلومات التي تتسرب تارة حول دفع مبلغ مائة مليار دولار للأردن، مقابل ان يحمل الحل على اكتافه، او عشرين مليار دولار على شكل مشاريع اقتصادية، وغير ذلك من معلومات، يتوجب الرد عليها، عبر تحديث المعلومات، عبر أي شكل تراه الدولة، مناسبا، بدلا من ترك الملف للتخمينات والتحليلات.
كل الصياغات السياسية للقاءات على مستوى عال مع الإدارة الأميركية، تتحدث عن عموميات، مثل تأكيد حل الدولتين -الذي انتهى فعليا- او التأكيد على قيام الدولة الفلسطينية- لم يتبق لها مساحة جغرافية- لكن لا احد بالمقابل يفهم ماذا تريد الإدارة الأميركية، بشكل تفصيلي، وماذا يريد الرئيس الأميركي ترامب، وماذا لدى مايك بنس نائب الرئيس الأميركي من تصورات، وماذا في حقيبة جاريد كوشنير من خطط، وماذا يريد مايك بومبيو وزير الخارجية الأميركي، ثم ماذا في ملفات الموفد الأميركي لعملية السلام في الشرق الأوسط، جيسون غرينبلات، وماذا بين الإدارة وبقية الأطراف من تفاهمات او اتفاقات!
الاتصالات الأردنية الأميركية، تأتي في توقيت حساس، وقبيل أسابيع من الانتخابات الإسرائيلية، التي ستحدد نتائجها الخريطة الإسرائيلية، وبعض ملفات الخريطة الإقليمية، خصوصا ما يتعلق بصفقة القرن، وهي اتصالات تجري بشكل مكتوم، وقد يكون مفهوما التكتم على اسرارها، لكن لا بأس من بعض الإفصاح، عن قليل من المعلومات، حتى يعرف الداخل الأردني الى اين تتجه الأمور، بشأن الأردن او شأن المنطقة.
علينا ان نقر هنا ان مراهنة الأردن على سقوط الصفقة، على الرغم من أهميتها، الا انها مراهنة محفوفة بالخطر، أي المراهنة على رفض الفلسطينيين للصفقة، وبالتالي رفض الأوروبيين، وهو رفض على أهميته، الا انه ليس جدار الحماية الوحيد الواجب الركون اليه، خصوصا ان التخطيط اليوم، قد يجري بعيدا عن عين الأردن، الذي قد يفاجأ بتطورات خطيرة ليست في حساباته، ومنها ما يجري بشأن ملف القدس، وبدء التآمر على الوصاية الأردنية لإضعافها، او إعادة انتاجها ضمن صيغة جديدة، تتوافق مع الحل المطروح.
الأردن امام خيارات أسوأ من بعضها البعض، اذ ان قبول صفقة القرن يعني كلفة كبيرة، داخل الأردن، وهي كلفة بحاجة الى إدارة سياسية واقتصادية وإعلامية مسبقة، ورفض صفقة القرن يعني دخولا في معاندة او مواجهة مع الإدارة الأميركية، قد يصل حد مواصلة اضعاف الأردن، وتركه لمصيره، خصوصا على الصعيد الاقتصادي، فيما خروج ذات صفقة القرن من الحسابات الإقليمية، يعني بقاء الأردن معلقا كما هو، دون إعادة تموضع سياسي واقتصادي في هذا الإقليم الذي تتقلب خريطته، تمهيدا لإعادة الرسم والترسيم.
ثم ما صحة المعلومات حول وجود جفاء اردني أميركي هذه الفترة بسبب الموقف الأردني من صفقة القرن، وإصرار الأردن على ان الصيغة التي لدى الإدارة الأميركية صيغة انتحارية لن يكون ممكنا تمريرها، وما هي كلفة هذا الجفاء على مستوى إدارة ترامب، مع الادراك هنا ان علاقة الأردن مع الكونغرس ولوبيات أخرى في واشنطن أحسن بكثير من العلاقة مع الإدارة بكل اجنحتها في البيت الأبيض.
نريد مكاشفة سياسية عبر أي شكل تراه الدولة مناسبا، فالوقت قصير، ولا يمكن إدارة الملف بهذه الطريقة من التكتم والصياغات السياسية العامة، خصوصا ان الافتراض بقيام واشنطن بإعلان الصفقة فعليا وعدم التراجع مثل كل مرة، سيجعلنا امام واقع مفاجئ، وسيناريوهات مختلفة، لن يكون منطقيا الاستيقاظ فجأة على المستوى العام، للرد عليها.
قولوا لنا فقط، ماذا يحدث بعيدا عن الأعين؟!