الاتفاق النووي الإيراني: معركة التوقعات

ما إن انتهت "معركة" مفاوضات إيران مع مجموعة "5+1" (الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، إضافة إلى ألمانيا)، حتى بدأت "معركة" أخرى ذات تأثير كبير، في بعض جوانبها، على مستقبل المضي بالاتفاق الذي تم التوصل له في فيينا في 14 تموز (يوليو) الحالي؛ هي معركة المستفيد والرابح الأكبر من هذا الاتفاق.اضافة اعلان
فرغم أن الطرفين الرئيسين المعنيين مباشرة بالاتفاق هما إيران والولايات المتحدة، أو رئيسها تحديداً باراك أوباما، وكلاهما يعلن الانتصار طبعاً، إلا أن المستفيد الأكبر الحقيقي من الاتفاق وإنفاذه، على المدى القصير على الأقل، هو إسرائيل والتيار اليميني فيها، مع أنها البلد الوحيد الذي عارض الاتفاق، واعتبره رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، صاحب التأثير القوي في الكونغرس الأميركي، "خطأ تاريخياً"!
فمن ناحية، وبغض النظر عن "البروباغاندا" الهادفة إلى الحفاظ على ماء الوجه لا أكثر، فإن الحقيقة الأولى لاتفاق فيينا هي تحييد إيران تماماً على صعيد استغلال الصراع العربي-الإسرائيلي، بعد اتفاقها مع "الشيطان الأكبر" ذاته. وباستثناء تواصل إطلاق بعض الشعارات الفاقدة الصلاحية منذ دعم إيران الدكتاتوريات العربية الأكثر دموية وطائفية وفساداً، لا يتخيل أبداً مغامرة إيرانية، غير مباشرة طبعاً، ضد إسرائيل، قد تعيدها إلى عزلتها الدولية، وضمنها العقوبات الاقتصادية، وهي التي قدمت الكثير من التنازلات في المفاوضات لإنهائها.
في المقابل، ستحصل إسرائيل، كما أعلن فعلاً، على الكثير من المساعدات العسكرية، وحتى الدبلوماسية (على حساب الفلسطينيين تحديداً)، لطمأنتها إلى أن الاتفاق مع طهران لا يهدد أمنها. وأهم من ذلك أن اليمين الإسرائيلي سيسعى إلى استقطاب الإسرائيليين بشكل أكبر نحوه بزعم التهديد الإيراني النووي القادم لا محالة!
في السياق ذاته، لا تبدو مبررة أبداً حالة الذعر العربية من الاتفاق النووي الإيراني، إلا بالقدر الذي تريده الدول العربية! فبداهة أن إيران لم تكفّ يدها عن العالم العربي، تدميراً وتقتيلاً، إبان العقوبات الاقتصادية. فيما يمكن افتراض العكس تماماً، بشروط، بعد الاتفاق مع الدول الكبرى.
صحيح أن إيران ستحصل على أرصدة مجمدة تقدر بحدود مائة مليار دولار، إضافة إلى تحريك اقتصادها بعد رفع العقوبات الدولية. لكن هنا تحديداً يبرز أخطر تهديد لنظام الملالي، وهو التوقع الشعبي بتحسن معيشة المواطن الإيراني. إذ يمكن تشبيه ذريعة العقوبات الدولية على إيران (والتي يقدر خبراء مسؤوليتها عن حوالي 20 % فقط من مصاعب إيران الاقتصادية-الاجتماعية) بذريعة الصمود والتصدي العربية، واللتين سمحتا باستفحال الفساد والاستبداد وتبديد الموارد في الحالتين. ومع سقوط ذريعة العقوبات، متزامناً مع انخفاض أسعار النفط، والذي يتوقع أن يتواصل إن لم يتعمق بسبب الاتفاق النووي ذاته، يكون ممكناً القول إنه لا يبدو وجود هامش كبير لدى حكام طهران للموازنة بين تحسين مستوى مواطنيهم وزيادة دعم مليشياتهم في لبنان وسورية والعراق واليمن في الوقت ذاته.
ومن ثم، فإنه يتوقع فعلاً تصعيد إيراني مدمر في العالم العربي، إرضاء للمحافظين الذين يرون أن الاتفاق النووي قد تجاوز كل الخطوط الحمر، وكذلك تأكيداً على خروج إيران قوية بالاتفاق مع القوى الكبرى. لكن مثل هذه السياسة المستنزفة لا يمكن أن تكون مستدامة على المديين المتوسط والطويل إن رفع العرب كلفتها على طهران.
في حالة العلاقات العربية-الإيرانية، ليس هناك توقعات، بل قرار عربي/ أو لا قرار، يحسم مسار الأحداث. وهو بقدر ما أنه قرار عسكري يردع الاعتداءات الإيرانية، فإنه أيضاً قرار إصلاحي داخلي.