الازدواجية العربية المكشوفة

ما أجرأ الكتاب والمعلقين السياسيين العرب على نقد البلدان (الغربية) الديموقراطية وما أمهرهم في الحط من سياستها وشتم ساستها. إنهم يفعلون ذلك ليس لأنها لا تستحق النقد والشجب أو لأن بلدانهم ذات ديموقراطية أفضل وحرية أوسع، أو لأنها توفر حقوقاً للوافدين والمهاجرين أسمى، بل لأنهم لا يخشون غضبها عليهم، ووضعها لهم على القائمة السوداء فلا يحصلون على تأشيرة سفر إليها، أو إقامة فيها.. أو لأن نقدهم وشجبهم وشتمهم لا يستفزها. الحالة الديموقراطية الراسخة في الغرب وعلى الرغم من عيوبها توفر لهم متنفسا من حالة الحصار والاختناق في بلدانهم التي تحرم عليهم نقد سياسة أنظمتها أو نقد ساستها.اضافة اعلان
يدرك الكاتب او المعلق السياسي العربي من التجربة اليومية أو البرهان أن نقد الأنظمة الديموقراطية لا يضيرها، وأن شجب سياستها أو شتم ساستها وبخاصة من كتاب ومعلقين في العالم الثالث أو من الأنظمة الديكتاتورية والشمولية فيه لا يلفت انتباهها أو انتباههم، لأنهم يتعرضون في بلدانهم وعلى أيدي مواطنيهم إلى ما هو أسوأ كالقذف بالبيض او بالبندورة، أو بالصفع على الوجوه. لكن الأمر يتحول إلى العكس إذا تم توجيه النقد من جريدة عربية أو قناة فضائية عربية مقيمة أو مهاجرة –مجرد النقد – لسياسة بلد عربي أو لسيده أو للقضاء او للعسكر او للبوليس او للمخابرات فيه، وتقوم الدنيا على الكاتب أو المعلق أو الجريدة أو القناة ولا تقعد فيحتج السفير أو يتصل الحاكم المعني مهدداً بقطع العلاقات وسحب السفراء أو بمنع الجريدة من الدخول، أو بإغلاق مكتب القناة إن لم يتم اتخاذ الإجراء الرادع بحق الكاتب أو المعلق أو لم تعتذر الجريدة أو القناة، الشيء الذي لا يطلبه أو يجرؤ على المطالبة به لو كان النقد صادراً من بلد ديموقراطي غربي أو من جريدة أو قناة غير عربية فيه،لأنه يعرف أن النظام هناك ديموقراطي وأنه لا قدرة للحكومة فيه على لجم أفواه الكتاب والمعلقين، وأن بإمكانه اللجوء إلى القضاء إذا كان الكاتب أو المعلق كاذباً أو منتهكاً لحقوقه الإنسانية.
وينحني العربي للنقد الأجنبي ويغير سياسته أو موقفه المنقود أو المشجوب أو المشتوم أو يلوذ بالصمت ، لكن انقلاباً فورياً يحدث في موقف العربي المدعي للديموقراطية أو حرية التعبير في بلاده إذا صدر النقد منها يتمثل بتلبية مطالب الحاكم العربي المنقود… وقمع الكاتب أو الناقد أو الجريدة أو القناة جزاءً وفاقاً له على استعداء الأشقاء وتهديد مصالح الدولة، وإن كان (بذلك) يؤكد (للشقيق) صحة شكه بوجود أي ديموقراطية في نظامه، أو يكذب ادعاءه بالديموقراطية او بحرية التعبير التي يتباهى بها. ويثبت للناس في الداخل والخارج بهذا الانقلاب اللا- ديموقراطي زيف الديموقراطية أو الحرية التي يدعيهما. وأنهما مجرد ديكور أو مكياج لا يلبث بزخة مطر أن يزول.
لو كانت الديموقراطية والحرية في البلدان العربية التي تدعي أنها تتحول إليهما صادقتين منهجاً لا تجربة عابرة، لاستغل الحاكم المدعي لهما الفرصة ليثبت لشقيقه أنه ما باليد حيلة، وأن ديموقراطية بلده وحرية التعبير فيها ليست مأمورة أو مرسونة (من الرّسن) وأن مثله مثل الحاكم في البلدان الديموقراطية لا يستطيع أن يتدخل في مجراهما، وأن القضاء هو الحكم… وعندما يتكرر ذلك مع كل نقد سيضطر الحكام العرب المهتزون أو المتزلزلون بالنقد إلى قبول الأمر الواقع والتعامل معه على هذا الأساس.
وبما أن الحال هو غير ذلك، فلا أحد في الداخل أو في الخارج يأخذ الديموقراطية او الحرية العربية مأخذ الجد، ولا يستطيع الكاتب أو المعلق فيها التعبير الكامل أو الصادق عن وجدانه وضميره، فلا يقول كل ما يريد، ولا يريد كل ما يقول، لأن حرية التعبير مقموعة ما خلا للمنافقين "والمواربين" والمأجورين الذين يتكاثرون في وسائل الإعلام العربية.