الاستثمار: قصة طويلة ومملة

 إن الحديث الساخن المتداول حاليا عن تعثر جهود جلب الاستثمار، وفشل في استثمار الفرص وما تبع ذلك من تقييم سلبي للإجراءات الحكومية في هذا الملف الحيوي وصولا الى قرار اقالة رئيس هيئة الاستثمار، تبدو هذه التطورات وكأن الدنيا كانت ربيعا ومقمرة في هذا الملف، ثم شهدنا مؤخرا تعثرا  وتراجعا احتاج الى تصحيح المسيرة، ألم يكن هذا الملف على الطاولة دون انجازات حقيقية منذ اكثر من عقدين؟  فقصة تحويل الأردن الى بيئة جاذبة للاستثمارات الخارجية وبيئة داعمة وقادرة على الحفاظ على رؤوس الاموال الأردنية والمستثمرين المحليين قصة ليست وليدة اليوم بل قصة طويلة واصبحت مملة ومكرورة. اضافة اعلان
الماكنة السياسية الوطنية فشلت في تحويل البلاد الى واجهة جاذبة للاستثمارات، فسلسلة الاجراءات والعمليات التي تحول بلدا ما الى وجهة جاذبة للاستثمار سواء التشريعية او الفنية والادارية والاقتصادية هي رؤية سياسية بالدرجة الاولى تقوم على ثلاثة عناصر اساسية هي الإرادة السياسية اولا والحلول والابتكار ثانيا والادارة التنفيذية ثالثا، لم يتوفر لدينا طوال السنوات الماضية الا الارادة السياسية التي تمثلها القيادة السياسية لجلالة الملك، سواء بقدرته على تقديم الأردن للعالم، او بحضوره الفاعل في المحافل الاقتصادية الدولية وجلبها للاردن، في معظم الاحيان لم نجد من يمسك الخيط من جلالة الملك.
اتيح للأردن خلال السنوات العشر الاخيرة فرص كبيرة لتحويل المملكة الى واجهة مهمة لجذب الاستثمارات في العديد من القطاعات رغم الصراعات وحالة عدم الاستقرار التي تشهدها المنطقة. الاسباب التي حالت دون تحقيق هذه القفزة معروفة واصبحت مملة مع كثرة ما تم تكرارها منذ نحو ربع قرن، والمتمثلة في عدم مواءمة التشريعات مع فلسفة البيئات الاستثمارية الحديثة وتعدد الجهات وطول السلسلة الادارية التي يتطلب من المستثمر ان يمر بها. علاوة على البيروقراطية والتأخير والاهمال في الاجراءات الداخلية. هذه الاسباب التقليدية لم تتغير منذ سنوات طويلة، في حين ثمة خلفيات اخرى قليلا ما يتم الحديث عنها منها التعقيدات الامنية التي تواجه احيانا بعض الاستثمارات او حركة المستثمرين، الصراعات الداخلية بين المؤسسات، والفساد وطلب الرشوة والابتزاز احيانا، يحدث ذلك مع استمرار ضعف الشفافية وضعف نظم المعلومات العامة وضعف دور الاعلام في المتابعة والرقابة.
هناك طبقة واسعة من المسؤولين لا تفهم  فلسفة الاستثمار والقيم المضافة التي يحققها للاقتصاد، ولا تقدر حاجة الاقتصاد الوطني ان يتقدم نحو الاستثمار وليس ان ننتظره؛ علينا ان نتصور حجم المفارقة الكارثية حينما يسنّ البرلمان قانونا لسلطة اقليم البترا يمنع الاستثمار والتملك في البترا لغير الاردنيين، اي في اهم واجهة سياحية أردنية، تحت وهم اشاعات لا اساس لها ولا يعقل لدولة عاقلة واثقة من نفسها ان تصغي لها ويمر القانون دون ان يلفت الانتباه، علينا ان نبحث عن الاسباب الحقيقية التي ادت الى  فشل المناطق التنموية المتعددة في المحافظات، وعلينا ان نبحث عن حجم الفرص الضائعة التي تبخرت في اوقات الحروب والصراعات وفي اوقات الاستقرار وحجم الامتيازات التي حصل عليها الأردن وبعضها لم نعرف حتى قراءتها.
تحويل الأردن الى واجهة اقليمية ودولية للاستثمار، ليست عملية معقدة فالعناصر الجاذبة اكثر بكثير من العناصر الطاردة، اكثر ما نحتاجه اليوم رؤية سياسية تنفيذية لتحقيق هذا الانتقال تجعل من هذا الهدف منطلقا اساسيا لبناء اقتصاد وطني معاصر وليس مجرد ردة فعل نمارسها كلما اكتشفنا حجم انكشاف المالية العامة نتيجة نقص المساعدات الخارجية. لا نحتاج اكثر من ستة اشهر فقط قادرة على احداث الاصلاحات المطلوبة حتى التشريعية والادارية والفنية، وبناء رؤية جديدة تسعى للاستثمارات الكبيرة والصغيرة معا.