الاستثمار والعودة للصكوك

الاستثمار (investment)، بمفهومه العلمي، يعني توظيف طاقات إنتاجية جديدة إلى الأصول الإنتاجية الموجودة في المجتمع من خلال إقامة مشاريع إنتاجية جديدة أو التوسع في المشاريع القائمة وهو يعني كذلك الإنفاق الرأسمالي على المشاريع الإنتاجية الجديدة في مختلف القطاعات الاقتصادية سلعية كانت أم خدمية، والهدف من الاستثمار عادة ما يكون لتنفيذ خطط اقتصادية وتوظيف الأيدي العاملة للتخفيف من البطالة، إلا أن هذا لا يجانب الأهداف الأخرى التي يسعى إليها أي مستثمر، وهي أهداف منطقية ومشروعة منها تحقيق الربح وهذا العنصر الرئيسي الذي يؤشر نجاح المستثمر، وتحقيق الربح يؤدي بكل تأكيد إلى زيادة قيمة الأصول وحجمها لاستمرار وديمومة المشروع، ومن ميزات تحقيق الربح للمستثمر توفير السيولة المالية التي تتيح له التحكم في الكفاءة المالية لمنشأته، وتجنب المخاطر غير المحسوبة التي ربما تنعكس سلباً على العائد من الاستثمار بشكل عام، ويأخذ الاستثمار أشكالا عدة من حيث المدة الزمنية هي:

  • قصيرة الأجل: هي الاستثمارات التي تقل عادة عن سنة مالية.
  • متوسطة الأجل: الاستثمارات لا تقل مدتها الزمنية عن سنة، ولا تزيد على سبع سنوات.
  • طويلة الأجل: هي الاستثمارات التي تتجاوز مدتها الزمنية سبع سنوات.
    وبالعودة لمصارفنا الإسلامية، يمكن يمكن القول إنها ومن خلال تنوع أدواتها المالية والاستثمارية، مصارف شمولية تغطي أوجه الاستثمار وحاجاته التمويلية في الاقتصاد الوطني على عكس ما هو موجود في البنوك التقليدية التي أخذت أشكالا متعددة ومسميات مختلفة حسب النشاط التمويلي الذي تؤديه مثل بنوك عقارية، صناعية، ادخارية، إسكان، تجارية وهكذا… لهذا فإن تنوع الأدوات المالية الإسلامية ووظائفها التمويلية عمل على تنوع فرص الاستثمار للمصرف وحسب حاجات القطاعات الاقتصادية المختلفة مثل المضاربة والمشاركة؛ حيث تعدان أداتي تمويل طويلتي ومتوسطتي الأجل، وتمثل المرابحة تمويلا قصير الأجل وتغطي عادة قطاع التجارة المحلية والخارجية، ثم هناك بقية العقود مثل عقد السلم، عقد الاستصناع، عقد المزارعة وعقد المساقاة، وأخيرا برزت الصكوك كأداة تمويل أخذت أشكالا عدة حسب الأدوات المذكورة سابقا، وهي تتيح كذلك للمصارف الإسلامية في توظيف السيولة الراكدة لديها، أو لدى صغار المدخرين واستغلالها في مشاريع اقتصادية تعود بالنفع العام على المجتمع وبالتالي ستنعكس إيجابا على معظم قطاعات الاقتصاد الوطني، وهنا لا خلاف على أن أن الصكوك الإسلامية هي أداة مالية مهمة تفتح أبوابا جديدة للاستثمار وتعمل على حشد المدخرات الوطنية خاصة من صغار المدخرين، وتعمل كذلك على فتح نوافذ جديدة لتقديم التمويل المناسب لمشاريع التنمية المستدامة.
    إذا تعد الصكوك أداة تمويل يمكن لها أن تغطي الاحتياجات التمويلية كافة التي تحتاجها القطاعات الاقتصادية المختلفة، لكن المتتبع للنشاطات التمويلية في المصارف الإسلامية يلاحظ التركيز من قبل هذه المصارف على التمويل قصير الأجل لانخفاض درجة المخاطرة فيه أولا وثانيا لعودة رأس المال المُستثمر للدوران بزمن أقل، مع ذلك يسجل للصناعة المصرفية الإسلامية سرعة استجابتها لتلبية حاجة قطاع الاستثمار من التمويل وبصيغ متعددة مع قناعتنا الكاملة بأنها ما تزال تمتلك من الإمكانيات التي تسمح لها التركيز على أدوات تمويل فاعلة وذات عائد اقتصادي واجتماعي ينعكس على الاقتصاد الوطني لمناطق تواجدها وينسجم مع بقية الصيغ التمويلية الشمولية مثل عقد المزارعة وعقد المساقاة، صحيح أن مثل هذين العقدين يتصفان بدرجة مخاطرة عالية، لكن وبكل تأكيد إذا أُحسن استخدامهما، فإن العائد سيكون كذلك مرتفعا ومجديا كبقية العقود الأخرى.
اضافة اعلان

*باحث ومتخصص في التمويل الإسلامي