الاستقرار السياسي كمحدد للنمو الاقتصادي

تتأثر اقتصادات الدول بحالة الاستقرار السياسي (Political Stability) التي تعيشها، فكما يتطلب تحقيق معدلات مطردة من النمو الاقتصادي تحقيق الاستقرار على المستوى الاقتصادي الكلي والجزئي كاستقرار مستويات الأسعار، يتطلب ذلك ايضا تحقيق استقرار مماثل على مستوى الاستقرار السياسي والذي يشير إلى مدى تماسك فئات المجتمع داخل هذه الدولة، وترابطهم فيما بينهم من جهة، وفيما بينهم وبين السلطة من جهة أخرى، ذلك الترابط الذي يكفل وقوف هذه الدولة ومجتمعها أمام التقلبات والمتغيرات المختلفة كوحدة متماسكة. بالتالي يشكل الاستقرار السياسي محددا مهما ورئيسيا بالنسبة للنمو الاقتصادي، فكلما كان المجتمع يتمتع بمستوى مرتفع من الاستقرار السياسي فإنه يسهم في توفير البيئة الملائمة لنشاط الأعمال، ومن ثم، زيادة معدلات الاستثمار والتراكم الرأسمالي، وبالتالي، يحقق معدلات نمو مرتفعة! بينما الدول التي تعاني من عدم الاستقرار السياسي نتيجة للصراعات والاضطرابات والحروب، سيؤدي ذلك إلى التأثير سلبيا على مستوى الأداء الاقتصادي من خلال معدلات نمو اقتصادي متدنية وغير مستقرة وانخفاض تراكم رأس المال وبالتالي انخفاض نصيب الفرد من الناتج! الملفت للانتباه، أن العديد من الدراسات التي حاولت تحليل العلاقة ما بين الاستقرار السياسي وأداء الاقتصاد أكدت على ثنائية التأثير بينهما، حيث كما يؤدي عدم الاستقرار السياسي إلى تراجع معدلات النمو الاقتصادي، فإن ضعف الأداء الاقتصادي وتراجع مستويات الإنتاجية والنمو يؤدي إلى الاضطرابات السياسية والاجتماعية الأمر الذي يخلق حالة الفوضى وعدم الاستقرار! بالنسبة للأردن والذي يحتفل بدخوله المئوية الثانية هذا العام، فقد مر تاريخيا بمنعطفات سياسية مهمة وأزمات عاصفة، وحروب مكلفة! وخلال عمر الدولة الأردنية تشكلت 101 حكومة، وكان معدل استمرار عمل الحكومات ما يقارب 12 شهرا!! كل ذلك أرخى بظلاله على الاقتصاد الأردني بتأثيرات عميقة شكلت حالة من الضغط المضاعف على اقتصاد ريعي ذي إمكانيات محدودة، الحالة الاتكالية فيه تسود على الاعتماد على الذات! مع ذلك كله، كرس الأردن حالة من الاستقرار السياسي خاصة بالعقد الأول من الألفية الثانية، حيث انعكس هذا الاستقرار السياسي على الأداء الاقتصادي بمعدلات ونسب جيدة، فزادت معدلات دخل الفرد في الأردن من 1742 دولارا العام 2000، لتتخطى في العام 2011 ما مقداره 4500 دولار! أما في العقد الأخير أو ما عرف بحقبة "الربيع العربي"، فقد حقق الأردن معدلات نمو خلال الفترة بين 2010 و2020 قاربت بمعدلها 2.3 %، طبعا تعتبر هذه النسب متواضعة خاصة مع ارتفاع إجمالي الدين العام بمعدلات تجاوزت النمو الاقتصادي! وإذا ما تم ربط حالة عدم الاستقرار السياسي التي مرت به المنطقة جراء الربيع العربي خلال هذا العقد وأزمة اللجوء السوري خاصة، سنرى بوضوح كيف أثرت حالة عدم الاستقرار السياسي على أداء الاقتصاد الأردني! أغلب المؤشرات الاقتصادية المحددة للنمو الاقتصادي يتوقع أن تشهد انخفاضا أو تباطؤا خلال العام الحالي جراء جائحة كورونا، وسينعكس ذلك على أداء الاقتصاد الأردني الذي كان يعاني كما أشرنا قبل الجائحة! في ظل هذا الوضع، نسأل الله أن يحفظ الأردن وأن يديم استقراره ليبقى هذا العامل محددا ايجابيا للنمو الاقتصادي وجاذبا للتدفق الاستثماري!اضافة اعلان