الاضطرابات وتدهور الصحة والظروف الاقتصادية وراء محاولات الانتحار

عمان- تتزايد معدلات الانتحار، والذي يعد ثاني أعلى أسباب الوفاة في العالم بين الشباب، حيث ينتحر حوالي مليون شخص عالمياً حسب منظمة الصحة العالمية (2012). ولعل محاولات الانتحار لدى النساء تفوق الرجال، إلا أن المحاولات الناجحة لدى الرجال أكبر.  اضافة اعلان
وهناك عدة مصطلحات متعلقة بالانتحار ينبغي على كل اختصاصي نفسي معرفتها، ومعرفة حيثياتها، وتتدرج في خطورتها، فمثلاً هناك سلوك إيذاء الذات المتعمد غير الانتحاري، والذي لا يهدف إلى الموت، لكنه يتسبب في جروح أو حروق أو تعاطي جرعات زائدة، ويهدف من يرتكبها إلى الهرب من وضع أو البحث عن الراحة، ويشيع إيذاء الذات بين المراهقين.
ثم إن هناك التفكير بالانتحار دون المحاولة، ويليها في الخطورة محاولة الانتحار بالإقدام عليه وقد يؤدي أخيراً إلى الانتحار أو قد ينجو المنتحر من الموت.
أما العوامل المنبئة بالانتحار، أو عوامل الخطورة فهي متعددة وتشمل جميع الجوانب المحيطة بالشخص.
ولعل أبرزها وأهمها الإصابة بالاضطرابات النفسية المختلفة ذات الارتباط بالنزعة الانتحارية، مثل: الاضطراب ثنائي القطب، الاكتئاب، الفصام، واضطراب الشخصية الحدية.كما أن الإدمان يتنبأ باحتمالية الانتحار.
الصحة الجسدية وتدهورها تُعد من العوامل المرتبطة باحتمالية الانتحار أو التفكير فيه، كما أن الظروف الاقتصادية السيئة، واليأس، والتعرض للعنف، وعدم القدرة على حل المشكلات ترتبط بالنزعة الانتحارية.
ولعل الإعلام وما ينشره من أخبار وتفاصيل متعلقة بانتحار شخصيات مهمة أو ذات شعبية يشجع الشباب على وجه الخصوص لإنهاء حياتهم بذات الطريقة. كما وُجد انخفاض ملحوظ في بعض النواقل العصبية لدى المنتحرين (السيرتونين) وهو المرتبط أيضاً بالإصابة باضطراب الاكتئاب.
هل يرغب المنتحر فعلاً في الانتحار؟
المنتحر يُقدم غالباً للانتحار دون الرغبة الحقيقية بالموت، فهو يطلب المساعدة، ويستنجد، لتخطي آلامه. فحوالي 80 % ممن يتم إنقاذهم من الانتحار يعبرون عن امتنانهم لمساعدتهم وحمايتهم من الانتحار.
الوقاية من الانتحار مسؤولية من؟
الوقاية من الانتحار مسؤولية مشتركة بين عدة جهات في المجتمع. ولنبدأ بمسؤولية الفرد عن نفسه، واعتنائه بذاته وطلبه للمساعدة حين يحتاج من ذوي الاختصاص، ثم دور الأسرة والأصدقاء في تقديم الدعم النفسي والاجتماعي وبخاصة للمرضى النفسيين أو المصابين بالأمراض المزمنة وكبار السن. ثم يأتي دور المدارس والجامعات في نشر الوعي والتثقيف حول إيذاء النفس وكيفية الوقاية من الأفكار الانتحارية، وأيضاً للمستشفيات والمراكز الطبية دور كبير في توفير الرعاية الطارئة والمراقبة لمن يحاول الانتحار أو تراوده الأفكار حوله، كما أن للمؤسسات الإعلامية الدور الأكبر في التوعية ونشر الثقافة، ومراقبة محتوى الأخبار والأفلام وطريقة طرحها، خاصة ما هو موجه للأطفال والمراهقين.
أما كيف يمكننا الوقاية من الانتحار هناك عدة توصيات عامة:
- نشر الوعي والتثقيف حول أسباب الانتحار وطرق التعامل الإيجابي معها، بعيداً عن الأدوية والعقاقير، دون استشارة طبية، أو الإدمان.
- متابعة المرضى النفسيين لأنفسهم ولمراجعاتهم لدى الطبيب النفسي والمعالج النفسي، للوصول لحالة من التعافي، أو التكيف الإيجابي مع مرضه النفسي إن كان مزمناً، والالتزام بالعلاج منعاً لأي انتكاسة.
- الدعم النفسي والأسري والاجتماعي،هو الأمان لكل شخص؛ بغض النظر عن عمره وجنسه ووضعه الصحي والنفسي.
- الاختلاط الاجتماعي، ووجود الأصدقاء الإيجابيين يساعد على تخطي الصعوبات في الحياة.
- المحافظة على ممارسة الأنشطة الرياضية، والهوايات، والنوم بشكل جيد، والأكل الصحي يعني نوعية حياة أفضل، وبالتالي يقلل من احتماليةالتفكير بالانتحار، أو الوصول لليأس.
- التواصل الإيجابي بين الشخص ونفسه، وبينه وبين الآخرين. فمعرفة الشخص لتأثير الأفكار السلبية عليه، وعلى سلوكياته ومشاعره، وقدرته على السيطرة عليها واستبدالها بأفكار أخرى إيجابية وواقعية يساعده على التكيف مع متغيرات الحياة.
دلائل ومؤشرات على نية الشخص للإقدام على الانتحار؟
- الانعزال عن الحياة أو العمل أو العائلة.
- فقدان الرغبة فى القيام بالهوايات.
- تعاطي المخدرات أو الكحوليات بكثرة.
- الاكتئاب الشديد.
- الغضب، الحزن الشديد.
- فقدان الأمل.
- التصرف غير الحذر أثناء عبور الشارع مثلا.
- تغيير السلوك المعتاد ككثرة النوم أو قلته أو كثرة الأكل أو قلته أو كثرة المرح أو عدم وجوده
- عدم الاهتمام بالمظهر.
- الشكوى الصحية المستمرة وخاصة آلام العضلات والظهر.
- تكرار عبارات مثل: أتمنى لو كنت ميت، من الأفضل للجميع أن أرحل من هنا.
- الدخول في صدمة بعد التعرض لحدث ما وعدم القدرة على التكيف.
خرافات حول الانتحار:
- الحديث عن الانتحار أو مناقشته يزيد من الأفكار الانتحارية ويشجعها !!
- من يتحدث عن الانتحار لا ينتحر!
- كل من ينتحر لا ينذر قبل انتحاره!!
- من يحاول الانتحار بوسائل بسيطة أو غير قاتلة بشكل سريع، يكون الهدف فقط لفت الانتباه!!
- كل من يحاول الانتحار يريد الموت، فمحاولات منعه ستفشل!!
علاج الانتحار:
 ربما يصعب حصر علاج الانتحار أو تعميم العلاج في سطور قليلة، حيث أن تعدد أسباب الانتحار تجعل العلاج أيضاً متنوع تبعاً لخصوصية كل حالة واحتياجاتها. ربما بداية ينبغي ذكر أن بعض الحالات لا بد من إدخالها المستشفى لوضعها تحت المراقبة.
ثم إن العلاج قد يستلزم وجود علاج دوائي مثل الأدوية المضادة للاكتئاب، والتي لا بد أن تكون تحت إشراف طبيب نفسي، كما ينبغي إخضاع من لديه نزعة انتحارية للعلاج النفسي السلوكي المعرفين والذي أثبت نجاعته مع الحالات وحمايتها من الانتكاسة بشكل أكبر من العلاجات الأخرى.
وفي النهاية إذا قابلت أحد المقدمين على الانتحار، احذر أن تجادل الشخص في الانتحار، واحذر أن تشعره بصدمتك أو امتعاضك من سلوكه. قدم الدعم والتفهم. لا تعطي الوعود بالسرية ، تجنب إعطاء الحلول للمشاكل، أو تقديم اللوم له على أي شيء. فقط قدّم التفهم، حاول التقرب منه (نفسياً) وإعطاؤه مساحة من الأمان والتعبير، قدم له مقترح أن تساعده بالاستماع له ومحاولة حل المشكلات التي دفعته للتفكير بالانتحار.

د. فداء أبو الخير
أستاذ مساعد في علم النفس/ جامعة عمان الأهلية