الاعتراف بالدولة اليهودية هو اعتراف بالهزيمة

هيلل كوهين- معاريف

فكرة إقامة دولة يهودية في بلاد إسرائيل – مهما كان التعريف الدقيق لـ "دولة يهودية"– سحرت لب الكثير من اليهود في الزمن الحديث.اضافة اعلان
ليس في ذلك أي عجب. فضائقة اليهود في شرق أوروبا والتي وصلت إلى الاعتداءات والهجمات الدموية، مقاومة محافل وطنية ودينية في وسط أوروبا وغربها لانخراط اليهود في حياة المجتمع والاقتصاد، التفرقة التي عاناها اليهود في المغرب وفي بلدان اسلامية اخرى، محبة صهيون التي افعمت القلوب، كل هذه تراكمت لتصبح تطلعا للعديد من اليهود (وان كانوا في بداية الطريق شكلوا أقلية في اوساط عموم الشعب اليهودي) لاقامة سيادة يهودية في بلاد إسرائيل، البلاد التي قرأوا عنها في التوراة، في الأنبياء وفي الكتب ولبنائها صلوا كل يوم.
فالنظرة التي تركز فقط على الشعب اليهودي واحتياجاته لا يمكنها ألا تفهم هذا التطلع. إن لم تكن تبررها.
غير أن النظرة العربية – الفلسطينية إلى الواقع لا تتركز اليوم، ولم تتركز في الماضي على احتياجات اليهود. ومثل كل جماعة انسانية، فان عرب فلسطين ايضا نظروا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر إلى احتياجاتهم، إلى تطلعاتهم. ومثل جماعات انسانية اخرى سألوا أنفسهم هم ايضا، مع بداية عصر القومية، ماذا ستكون آثار التحولات التاريخية العظيمة التي وقعت في ذات الوقت – وبقوة أكبر في أعقاب الحرب العالمية الاولى – على مصيرهم. ومثل جماعات سكانية عديدة اخرى، طالبوا هم أيضا بحق تقرير المصير.
عمليا، مطلبهم الاساس كان الا يكونوا تحت حكم اجنبي. والمطلب الناشيء عن ذلك كان ان تعترف الاسرة الدولية في أن يعترف بالبلاد – فلسطين في تعبيرهم، بلاد إسرائيل في تعبيرنا (مهما كانت حدودها: من غربي نهر الاردن ام من ضفتيه، الوحدة مع سورية حتى نهر الفرات أم دولة منفصلة) – كبلاد سكانها في ذاك الوقت، أي عرب البلاد. وردت الاسرة الدولية مطلبهم. قسم من الأمم آمنت بانها بذلك تفعل عدلا تاريخيا. وبالنسبة لاخرين في الغرب، فإن اقامة "وطن قومي" لليهود في بلاد إسرائيل كان الحل الافضل لمشكلة يهود اوروبا، والثمن الذي كان يفترض ان يدفعه عرب فلسطين – التحول إلى اقلية في بلادهم، اذا ما حظوا بالبقاء فيها – اعتبر كثمن معقول.
منذ بداية الهجرات الصهيونية وحتى اليوم يواصل عرب فلسطين الادعاء: هذه بلادنا. فيها نحن نسكن بحق. ليس لنا دور في اضطهاد اليهود في اوروبا وفي بلادنا يحظى اليهود بمساواة شبه كاملة. ليس علينا أن ندفع ثمن اللاسامية الاوروبية. وبالفعل، فمنذ نهاية العصر العثماني دعا ممثلوهم في البرلمان في اسطنبول إلى منع استمرار الهجرة اليهودية.
وتحت الانتداب البريطاني ثار عرب فلسطين المرة تلو الاخرى ضد الحكم البريطاني الذي أتاح (جزئيا) ترسخ الحاضرة اليهودية في البلاد. في سنوات 1947 – 1948  كافح عرب فلسطين قد اقامة دولة يهودية في فلسطين، وحتى 1993 رفض ممثلوهم الرسميون الاعتراف بدولة إسرائيل. وفي كل تلك المفترقات التاريخية وقفت القوى العظمى إلى جانب المطلب الصهيوني. الادعاء العربي كان ادعاء من الحق: فليس محقا ابقاء سكان البلاد تحت سيادة مهاجرين جاءوا من بعيد، حتى لو كان على لسانهم مطلبا تاريخيا قديما.
في اتفاقات اوسلو اعترفت القيادة الفلسطينية بدولة إسرائيل. ولكن من ناحية الفلسطينيين لم يكن في ذلك اعترافا بحق اليهود في اقامة سيادة على قسم من بلادهم، بل اعتراف بواقع سياسي توجد فيه الدولة. والاعلان عن الاعتراف بدولة يهودية، المطالب به منهم الان، معناه الاعتراف في أن لليهود حق في السيادة في البلاد، اعتراف بحق المسيرة التي حولت العرب من اغلبية في البلاد إلى أقلية فيها، منح مصادقة على المسيرة التي حولت اغلبية الفلسطينيين الذين عاشوا في اراضي دولة إسرائيل إلى لاجئين وتأكيد مكانة الفلسطينيين من مواطني إسرائيل كأجانب في بلادهم. إعطاء مثل هذا الاعتراف هو اعتراف بهزيمة تاريخية وقبول الحكم بالظلم الذين هم ضحيته. يخيل لي انه من زاوية النظر الفلسطينية (كان يفضل لو ان فلسطينيا كان سيكتب أفكاره واحاسيسه، ولكني استجبت لطلب عمل ذلك) فإن هذا طلب فظ، عدم الرحمة وصعب الاحتمال. محطة إخرى في حملة الاهانات التي يعيشها عرب فلسطين.