الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل مقامرة خطيرة

شبان فلسطينيون يقذفون قوات  الاحتلال بالحجارة في القدس -(أرشيفية)
شبان فلسطينيون يقذفون قوات الاحتلال بالحجارة في القدس -(أرشيفية)

آرون ديفيد ميلر* - (سي. إن. إن) 5/12/2017

ترجمة: علاء الدين أبو زينة

باعتبار أني عملت في وزارة الخارجية الأميركية على موضوع المفاوضات العربية-الإسرائيلية للجزء الأكبر من ربع قرن، فإنني خرجت مع أكثر من حصتي العادلة من الأفكار نصف الناضجة حول هذا الموضوع.اضافة اعلان
لكن القضية الوحيدة التي كنت ذكياً بما يكفي لتجنبها -ونصحتُ كل وزير خارجية أميركي بأن يفعل الشيء نفسه- كانت القدس. وكانت نصيحتي بسيطة: لا تلعب مع أكثر القضايا حساسية وقابلية للاشتعال في المفاوضات.
ومع ذلك، وحسب ما تذكره التقارير الإعلامية، فإن ذلك ما سيفعله الرئيس دونالد ترامب بالضبط. وكان مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض، هـ. آر. ماكماستر، قد حذر يوم الأحد من أنه ليس متأكداً تماماً مما سيقرره الرئيس بهذا الخصوص. لكنه أضاف في ذلك الحين أن ترامب قد مُنح جميع الخيارات الممكنة للنظر فيها.
يوم الأربعاء، يمارس الرئيس سلطة المراجعة المنصوص عليها في قانون سفارة القدس للعام 1995 (كما فعل في حزيران/ يونيو الماضي) والذي يسمح له بتأجيل افتتاح سفارة الولايات المتحدة في القدس. لكنه يدلي مع ذلك ببيان يعترف فيه بالقدس عاصمة لإسرائيل.
ربما تعتقد الإدارة أن إصدار بيان من هذا القبيل سيكون أقل ضرراً من بدء عملية فتح سفارة في القدس فعلياً. ولكن، ما لم يكن ذلك جزءاً من صفقة تم التفاوض عليها مسبقاً، والتي تنطوي على تنازلات إسرائيلية كبيرة للفلسطينيين، فإن من المرجح أن يعقد هذا العمل عملية السلام نفسها التي يريد ترامب تعزيزها.
القدس موضوع مشتعل
إذا كان ثمة سكة ثالثة في المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية، فإنها القدس. وكانت القدس، محملة بالأهمية السياسية والدينية كما هي، منذ فترة طويلة علبة كبريت في انتظار عود الثقاب فحسب. وقد شهدنا حرائق عديدة تنطلق عادة على المساحات المقدسة المتداخلة التي يتشارك فيها الإسرائيليون والفلسطينيون، اليهود والمسلمون، ويتنافسون عليها أو على جوار الأماكن المقدسة: الحرم الشريف/ جبل الهيكل.
كما رأينا في الأعوام 1990 و1996 و2000، والأحدث في العام 2017 بسبب وضع أجهزة الكشف عن المعادن عند مداخل المنطقة، فإن أي تغيير -أو حتى تغيير مُتخيَّل- في الوضع الراهن الهش يمكن أن يؤدي إلى اندلاع العنف.
بصفتي مفاوضاً ناضل بلا نجاح ومن دون جدوى مع قضية القدس خلال قمة كامب ديفيد في تموز (يوليو) من العام 2000، فإنني شاهدت هذا النمط وهو يستمر في جهود السلام الأخرى منذ ذلك الحين. إن المسألة ببساطة أكثر حساسية وقابلية للاشتعال من أن يتم حلها الآن.
ما هي الفوائد بالنسبة للولايات المتحدة؟
دعونا نكُن واضحين، يجب أن تكون السفارة الأميركية في القدس الغربية. والواقع أن إسرائيل قد تكون من البلدان القليلة في العالم التي لا تحتفظ فيها الولايات المتحدة بسفارتها في عاصمة البلد المضيف. ولكن أولئك الذين يجادلون بأن الولايات المتحدة تحتاج إلى تصحيح هذه المشكلة الآن، مهما كانت التكلفة، إنما يفكرون بشكل ضيق جدا -وفقط في المصالح الإسرائيلية.
المشكلة هي أن إسرائيل أعلنت أن المدينة بأكملها هي عاصمتها الأبدية وغير المقسمة، بما في ذلك الجزء الشرقي من المدينة التي يقيم فيه الكثير من الفلسطينيين وحيث تأمل السلطة الفلسطينية في إنشاء عاصمة بعد إنشاء دولة فلسطينية. وعندما يؤكد ترامب أن السياسة الأميركية هي أن القدس عاصمة لإسرائيل، فإن ذلك بمثابة القول إن واشنطن تعترف الآن بسيادة إسرائيل على المدينة بأكملها. ولو قال ببساطة إن القدس الغربية هي عاصمة إسرائيل فقط، فإنه يخاطر بإغضاب الحكومة الإسرائيلية من خلال اقتراح أن الجزء الشرقي من المدينة غير متضمن فيها.
عملية السلام تبدو ميتة. لماذا يتم دفنها؟
بل إن الأمر الأكثر غرابة هو أن ترامب، الذي يبدو أنه ملتزم بإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، يريد أن يضخ قضية القدس في المزيج الآن. ومن المحتمل أن تتعرض عملية السلام الجديدة التى يفترض أن يكشف عنها فريقه في وقت مبكر من العام المقبل للخطر بتغيير الولايات المتحدة سياستها المتعلقة بالقدس في هذا الوقت.
يُنظر إلى إدارة ترامب مسبقاً على أنها منحازة إلى حد كبير لصالح تلبية الاحتياجات الإسرائيلية على حساب حاجات الفلسطينيين؛ وسوف يشكك التحرك في موضوع القدس في مصداقية واشنطن كوسيط فاعل. وقد هددت السلطة الفلسطينية بالانسحاب من عملية السلام إذا اعترفت الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لاسرائيل. كما حذر العاهل الأردني الملك عبد الله من مخاطر مثل هذه الخطوة، وكذلك فعل الأمين العام لجامعة الدول العربية.
من المثير للدهشة أن بعض الأطراف العربية المشاركة بشكل وثيق في عملية ترامب للسلام، ظلت هادئة إلى وقت قريب حول هذه القضية، وهي حقيقة قد تشير إلى أن تحرك القدس قد يكون مرتبطاً بتحركات أخرى في الأشهر المقبلة. ومن المستحيل التنبؤ بما إذا كان بيان الرئيس سيؤدي إلى إثارة العنف. ويكفي القول إن أي جماعة -من حماس إلى الجهاد الإسلامي- ترغب في استغلال القضية، يمكنها بالتأكيد أن تفعل ذلك مع التحول في السياسة الأميركية بشأن القدس.
لماذا الآن؟
المتاعب التي سيتعثر فيها ترامب بسبب مقامرته في موضوع القدس كثيرة جداً. وذلك لأن فكرة هذا الفعل لا تبدو مصممة لتحقيق أي أهداف حقيقية للسياسة الخارجية الأميركية. وإذا كانت الإدارة في وضع يسمح لها بإبرام صفقة إسرائيلية فلسطينية وتحتاج إلى التركيز على مسألة العاصمة؛ وإذا كان ترامب يقايض هذا الاعتراف بالقدس ببعض التنازلات الكبيرة من نتنياهو؛ أو إذا كان البيان الذي يصدره الرئيس يوم الأربعاء قد يتضمن أيضا إشارة إلى إمكانية وجود عاصمة في القدس الشرقية للفلسطينيين، فإن الأمر قد يكون منطقياً.
المشكلة هي أننا لا نعرف ما هي استراتيجية عملية السلام التي تتبعها الإدارة. وفي حالة عدم وجود واحدة متماسكة، فإن مقامرة القدس تبدو من النوع الذي يمارسه المرء لمرة واحدة -مزيج من إحباط ترامب حول الاضطرار إلى استخدام سلطة المراجعة مرة أخرى، بينما لا يكون قد أوفى بالتزام حملته الخاص بفتح سفارة في القدس، ورغبته الجامحة في الذهاب حيث لم يذهب أي من أسلافه من قبله.
وعلى هذا النحو، فإن من المرجح أن يجلب اعتراف الرئيس بالقدس عاصمة لإسرائيل من المتاعب أكثر بكثير مما يستحق -مضيفاً طبقة أخرى من التعقيد إلى عملية السلام التي تواجه الكثير من الصعوبات مسُبقاً.

*نشر هذا المقال تحت عنوان: Recognizing Jerusalem as Israel's capital is a dangerous gambit
*نائب الرئيس ومفكر بارز في مركز وودرو ويلسون الدولي للباحثين، ومؤلف "نهاية العظمة: لماذا لا يمكن أن يكون لأميركا (ولا تريد أن يكون لها) رئيس عظيم آخر". كان مفاوضاً في الشرق الأوسط في الإدارات الديمقراطية والجمهورية.