الاعتراف بعمق التحولات الاستراتيجية وخطورتها

يزداد حجم وعمق التحولات الاستراتيجية في المنطقة والتي تسير بسرعة وبدون ضجيج احيانا، فيما يراقب الغرب والشرق والآسيويون والعالم ما يحدث في المنطقة ما تزال التفاعلات البينية تسير في سياقها التقليدي في العديد من دول المنطقة، أردنيا علينا الاعتراف مع انفسنا على الأقل ان المنطقة تتغير بسرعة كبيرة ولا يمكننا البقاء في نفس المكان بدون حركة، من الواضح أن حصاد سنوات الفوضى بات يتشكل، وان التنافس على اثمان ومكاسب تسوية الصراعات في نهايته، بل ان الصياغة التقليدية لمناطق الشرق الأوسط والخليج وبما في ذلك المشرق العربي وتفاعلاتها التقليدية قد قاربت على الانتهاء. اضافة اعلان
كيف نقرأ أردنيا هذه التحولات التي تولد فعليا ؛ كيف نقرأ التحول الاستراتيجي الإسرائيلي نحو سورية والعراق، وماذا تعني الاختراقات الإسرائيلية للأجواء والحدود السورية ثم العراقية، وماذا يشكل انفتاح اربع عواصم خليجية رسميا على إسرائيل، وإلى أين وصل التحالف الذي أعلنته قمة الرياض في 2017، وكيف نقرأ التقارب الإماراتي – الإيراني، والخلاف السعودي الإماراتي على الاجندة في اليمن.
ثلاثة انماط استراتيجية للتغير وفق نماذج الازاحة والاحلال باتت تتشكل في المنطقة ؛ اولها التحول الاستراتيجي الإسرائيلي نحو سورية والعراق من استراتيجيات الاحتواء والردع إلى استراتيجية التدخل المباشر لقد ساهمت الأزمة السورية في انتشار مكونات من جنسيات مختلفة سواء من الجماعات الإسلامية السنية المتطرفة أو الجماعات الشيعية التي تدين بالولاء لإيران ما أعطى إسرائيل ضوءا أخضر للتدخل في سورية أحد اشكاله العمليات الجوية المستمرة. وقد اعتبر العاشر من شباط 2018 نقطة تحول مهمة في هذا السياق بعدما قامات الدفاعات الجوية السورية باسقاط طائرة مقاتلة إسرائيلية من طراز F16 رد فعل على قيام إسرائيل في نيسان 2018 بضرب مطار عسكري قرب تدمر، هذه الاستراتيجية لم تتراجع بعد هذا التطور بل تصاعدت أكثر فقد استهدفت إسرائيل أكثر من موقع سوري ثم اخذت استهداف مواقع داخل العمق العراقي مثل نقاط عسكرية لقوات الحشد الشعبي.
يقود هذا التحول الاستراتيجي إلى سيناريو ضوء أخضر من قوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ومن روسيا لما بات يسمى (الحرب الجزئية) والتي تعني عمليات قتالية جوية كبرى ومتوسطة يقوم بها التحالف الدولي وإسرائيل ضد ما يسمى المليشيات الأجنبية في كل من سورية ولبنان والعراق.
التحول الاستراتيجي الثاني الذي لا يقل خطورة هو التدخل الإسرائيلي الجديد نحو الجنوب والشرق الذي يستهدف دول الخليج العربي، نحن أمام نهاية التفاعلات الإقليمية التي شهدتها العلاقات الإقليمية طوال سبعة عقود مضت، رئيس الوزراء الإسرائيلي في سلطة عمان، وزيرة الثقافة الإسرائيلية في الإمارات، وزير الاتصالات الإسرائيلي في دبي والعديد من المشاركات الرياضية والثقافية الإسرائيلية في قطر والبحرين، يتزامن ذلك مع تداعيات مشروع التسوية الأميركية المعروف بـ(صفقة القرن)، السؤال الأبرز حاليا كيف ستقدم إسرائيل نفسها لهذه الدول وأي خيارات أمامها، الصيغة التي طرحتها الولايات المتحدة في أيار 2017 أو ما يسمى إعلان الرياض بإنشاء تحالف عربي – أميركي " ميسا " يضم دول الخليج بالإضافة إلى مصر والأردن على أن يكون مقدمة لانضمام إسرائيل، يبدو انه لا يسير على ما يرام، فهناك تخوفات وهواجس هددت هذا التحالف في مهده رغم أن الطموح الأميركي أن يتجاوز التعاون بين دول هذا التحالف التهديد الإيراني والقضايا الأمنية وصولا إلى التنمية وقضايا المياه والاستثمار.
التحول الاستراتيجي الثالث يرتبط في ازدياد ضعف حالة الانضباط في المنطقة وافتقاد المراكز القيادية للسيطرة، صحيح أن الازمة الخليجية قد افقدت تحالف " ميسا " اندفاعه الى جانب اسباب اخرى نجد اليوم أن اختلاف تقدير الموقف في اليمن بين دول الخليج واختلاف تقدير الموقف حيال التهديد الإيراني باتت جميعها تفقد السعودية حالة الانضباط خلفها.
لاحظنا أن استهداف ناقلات النفط الإماراتية، شكّلت تأكيداً على مخاوف الإمارات من أن تصبح هدفاً رئيسياً في أي صراع عسكري مع إيران، إضافة إلى رغبة أبوظبي في حماية مجالها الحيوي في اليمن، أدى إلى تباين الاجندات الاستراتيجية وكانت النتيجية ما حدث في عدن وجوارها مؤخرا، وقرار الإمارات احياء علاقاتها مع إيران.