مصون شقير
بدأ برنامج الإصلاح الاقتصادي في الأردن إثر الأزمة الاقتصادية التي تجّلت في العام 1989، وأدت إلى انهيار سعر صرف الدينار، ومنذ ذلك الحين بدأ الأردن بتطبيق برامج التصحيح الاقتصادي وحسب وصفة صندوق النقد الدولي، والتي تهدف في العادة إلى الحد من عجز الموازنة وتخفيض نسبة الدين العام وتحفيز النمو الاقتصادي، مع ما يتطلبه ذلك من تطبيق لمبدأ اقتصاد السوق والذي يقتضي إعادة هيكلة القطاع الحكومي تمهيدا لخصخصة العديد من مؤسساته وشركاته.
وبعد نحو ثلاثين سنة من تطبيق هذه البرامج فقد ارتفعت مديونية الأردن لتبلغ في نهاية العام 2018 حوالي 28.3 مليار دينار وتُمثَّل حوالي95 % من الناتج المحلي الإجمالي، وعلى الرغم من وجود ظروف مستجدّة تبرر ارتفاع المديونية بقدر معين وأهمها تراجع المساعدات والمنح، وارتفاع فاتورة الطاقة، وإغلاق أسواق بلدان مجاورة بسبب الحروب والاضطرابات الجارية، إلا أن حجم هذه المديونية يثير تساؤلات مشروعة حول ما إذا كان الخطأ في الأساس يكمن في وصفات صندوق النقد الدولي؟ أم في السياسات والإجراءات الحكومية التي طُبقت؟ أم في جميعها مجتمعة؟
إن تطبيق مبدأ اقتصاد السوق وتحريره من تدخل الدولة، وفتح الحدود والمعابر أمام انسياب السلع والذي تم تتويجه بانضمام الأردن إلى منظمة التجارة العالمية في العام 2000، كان يتطلب ابتداء اقتصادا يتسم بالتنوع ويستند إلى قاعدة إنتاجية صلبة تقدم منتجات قادرة على المنافسة في السوق العالمية، حتى تكون فرصة انسياب السلع عادلة لجميع أطراف المعادلة، ولكن ما حصل أنه تم إغراق الأسواق المحلية بمنتجات أجنبية منافسة، وبعضها يتمتع بدعم مالي من دول المنشأ، مما أدى وبمرور الوقت إلى تراجع الصناعات المحلية نتيجة المنافسة غير العادلة، كما وأدّى ذلك إلى ارتفاع فاتورة المستوردات إلى نسب قياسية، وبالتالي الضغط المستمر على احتياطات الأردن من العملات الصعبة.
وعلى صعيد آخر فإن غياب الاختيار الأنسب للمشاريع المراد خصخصتها، والطريق الأصوب في كيفية تنفيذ عملياتها، والتوجّه الأجدى في كيفية التصرف في حصيلتها أدى إلى ضياع فرص استثمار هذه العوائد في مشاريع تنموية كان يمكن أن توفر فرص عمل وتخفض بالتالي من نسب البطالة.
كذلك فإن الحكومات المتعاقبة لم تطبق السياسات المالية والاقتصادية التي تؤدي إلى ضبط الإنفاق العام، وبالتالي خالفت نص المادة (23) من قانون الدين العام وإدارته وتعديلاته رقم 26 لسنة 2001 والذي يلزمها بأن لا يزيد الرصيد القائم للدين العام في أي وقت من الأوقات على 60 % من الناتج المحلي الإجمالي، كما وتجاهلت المؤسسات الرقابية هذه المخالفة على مدى سنوات.
ولذلك فإن هنالك ضرورة لإجراء مراجعات حقيقية للسياسات المالية والاقتصادية المتبّعة، وأهمها ضبط الإنفاق العام، والالتزام بقانون الدين العام بحيث يتم الرجوع تدريجيا إلى النسبة المحددة في القانون، وأن يتم كذلك بحث إمكانية إصدار قانون يلزم الحكومة بعدم تجاوز نسبة عجز الموازنة لـ 2 % من الناتج المحلي الإجمالي.
كما أن هنالك حاجة لتنويع الإيرادات وذلك ببناء قاعدة إنتاجية صلبة في كافة مجالات الاقتصاد الوطني ومن ذلك مثلا دعم وتقوية القطاع الصناعي، وهو الأمر الذي يتطلب مراجعة كافة الاتفاقيات التجارية التي جعلت السوق الأردني متاحا بشكل غير عادل لمنتجات دول عديدة، وبالتالي توفير الحماية الممكنة لبعض الصناعات الوطنية ذات الأهمية النسبية للاقتصاد، ولا حرج في ذلك بعد أن شهدنا محاولات لدول بحجم الصين وأميركا تحاول التحلل من بعض التزاماتها التجارية الدولية حماية لإنتاجها الوطني، إضافة إلى إعادة هيكلة القطاع الزراعي من خلال تكثيف توظيف التكنولوجيا في الزراعة وهي الصيغة التي لا تتطلب استخداما كثيفا للمياه.
كما أن هنالك ضرورة لمراجعة المنظومة التشريعية المتعلقة بالاستثمار، للوصول إلى تشريعات متجانسة وتتسم بالثبات النسبي، ويمكن أن تترجم إلى إجراءات مرنة تُسهِّل الاستثمار المحلي والأجنبي.
على أن جميع ذلك يجب أن يتم في بيئة تتخذ من الحاكمية الرشيدة منهجاً في الإدارة العامة، وتخضع لمبدأ سيادة القانون، إذ لو تم الالتزام بقانون الدين العام من بين مسائل أخرى عديدة لما وصلنا إلى الوضع الاقتصادي الراهن.