الاقتصاد والسياسة

 

هل صحيح أن السياسة تأتي قبل الاقتصاد أم بعده؟ هل يتبع الاقتصاد القرار السياسي أم أن العكس هو الصحيح؟ والواقع أن المدى القصير يجعل أيا منهما تابعاً للآخر؟ فقرار إنشاء وكالة الاستخبارات الاميركية جاء لحماية المصالح والشركات الاميركية في الخارج. والحروب الصليبية كانت لغزو بلاد الحليب والعسل؟ وغزو العراق كان في أعماقه لتأمين استمرار تدفق النفط، وكان توفر النفط أحد أهم العوامل لزرع إسرائيل في قلب العالم العربي والشرق الأوسط كله.

اضافة اعلان

وفي المدى الطويل، لا يوجد هنالك متغير تابع ومتغير مستقل؛ فالاقتصاد يولد قراراً سياسياً، والسياسة تولد قراراً اقتصادياً ... الكل مستقل والكل تابع .. والاثنان توأمان سياميان لا ينفصلان، وإذا انفصلا خلقت فجوة كبيرة.

فالعدالة تأتي من رحم المساواة، والمساواة لا تتحقق إلا بالتمثيل السياسي العادل، وفي حق المشاركة في صنع القرار الذي يؤثر على الجميع.

ويوجد حالياً حدثان كبيران يشارك الأردن فيهما بقوة. الأول هو ضرورة إحياء عملية السَّلام، وتنشيطها. وقد بذل القائد الأعلى منذ خطابه في جلسة الكونغرس الأميركي المشتركة جهدا كبيرا في هذا السياق حيث حصر خطابه كله في الحديث عن ضرورة السلام وخلق دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة قبل ثلاث سنوات، وفي خطابات أخرى مثل الخطاب المتميز في سان فرانسيسكو وغيرها الكثير. وكذلك، فقد أعطى موضوع القدس عناية فائقة لا تضاهى، محذراً من "اللعب بالنار" في موضوع القدس.

وهذه كلها مواضيع سياسية بجدارة. ولكن على المدى الأطول، فإن تحسين الحياة للفلسطينيين ومنحهم حقوقهم واستقلالهم، سيعطي الأردن والدول المجاورة متنفساً للانتباه للحاجات المادية للشعوب، وسيجعل التركيز على البناء والتنمية المستدامة والتخلص من آفات الفقر والبطالة والغلاء فرصاً قابلة للتحقيق. وإلا فإن انعدام السلام وما ينطوي عليه من كلفة باهظة، سيولد احتقاناً داخليا، وتراجعاً في مستوى الحياة وأمنها.

والموضوع الثاني هو اجتماع لجنة التنمية والتجارة المنبثقة عن مؤتمر القمة الإسلامية ويرأسها الرئيس التركي منذ خلقها عام 1984. وتعقد هذه اللجنة حالياً اجتماعاتها على مستوى القمة، ويمثل الأردن فيها رئيس الوزراء مندوباً عن جلالة الملك. ومن المفترض أن يكون هذا الاجتماع الذي حشدت له تركيا وحكومة الطيب "أردوغان" بكل عناية اجتماعاً اقتصادياً بكل معنى الكلمة. ولكنه تحول بكل قوة الى الأحاديث السياسية بدءاً من موضوع حضور الرئيس السوداني من عدمه، وبالتركيز على موضوعات السلام، والقدس، وإيران، والحوثيين، وغيرها من الموضوعات التي تشغل بال السياسيين والاقتصاديين.

لا فصل للسياسة عن الاقتصاد، ولا للاقتصاد عن السياسة، وكلاهما وجهان عملة واحدة.

[email protected]