الاكتظاظ ومستقبل الجامعات والتعليم

التبعات المأساوية للزيادة الكبيرة في أعداد الطلبة المقبولين في الجامعات هذا العام كانت متوقعة منذ صدور هذا القرار "سيئ الذكر" منتصف أيلول الماضي، لكن المشاهدات الأولية من داخل الجامعات لانعكاسات ذلك على الواقع تنذر بكوارث تفوق التوقعات.اضافة اعلان
تضمن تقرير منشور أمس في "الغد" حول الموضوع بضعة ملاحظات مؤسفة للغاية، وهي بالتأكيد ليست سوى جزء من الواقع، كما أن العام الدراسي لم يكد يبدأ، ما يعني بأن تبعات أخرى أكثر سوءا قد تتكشف مستقبلاً.
تحدث التقرير عن تكدس أعداد الطلبة في الأبنية والمرافق بشكل يفوق طاقتها الاستيعابية بما يصل إلى أكثر من 150 % في بعض الأحيان، وأشار إلى أن عددا من الطلبة في بعض الكليات يضطرون لحضور المحاضرات وقوفا لأن أعداد الطلبة أصبحت تفوق المقاعد في قاعات المحاضرات بمراحل.
كما أشار إلى قيام إدارة إحدى الجامعات بإلغاء بعض المساقات المشتركة كمساق "أخلاقيات الطالب الجامعي" نظرا لعدم كفاية القاعات والمحاضرين لاستيعاب الأعداد الهائلة، بالاضافة إلى إشكاليات أخرى تتعلق بعدم كفاية وسائل المواصلات، وغيرها.
ندرك جيدا بأن تعليمنا الجامعي بات منذ سنوات عديدة منفصلاً عن احتياجات العصر ومتطلبات سوق العمل المحلي والخارجي، وبأن تعليمنا الجامعي يفتقر بشكل شبه كلي للمهارات العملية والجوانب التطبيقية.
كما نعلم بأن جامعاتنا الحكومية تعاني في معظمها من تهالك البنى التحتية، ونقص الكوادر التدريسية، وتردي الخدمات الطلابية وشحها بالرغم من أن الطلبة يدفعون رسوما مقابل هذه الخدمات غير الموجودة أصلا في العديد من الجامعات.
وبهذه الزيادة في أعداد الطلبة على مقاعد الدراسة ضمن هذا الواقع، فإن المزيد من التراجع سيلحق بجودة مخرجات التعليم، لأن هذا التكدس سينعكس حتما على تحصيل الطلبة الأكاديمي، كما لن لن يتيح أي فرصة لتنمية الجوانب العملية والإبداعية لديهم.
كما أن عددا ليس بهين من الطلبة سوف تواجههم مشكلة تدني قدراتهم بالمقارنة بمتطلبات تخصصاتهم وذلك نتيجة ارتفاع معدلات الثانوية العامة والتي يوجد شبه اجماع على أنها لم تعكس المستوى الحقيقي لقدرات الطلبة.
إضافة لذلك، فإن هذا الازدحام الطلابي الشديد على المرافق والخدمات من شأنه زيادة احتمالية العنف الجامعي الذي شكل أرقاً للمجتمع الأردني في السنوات الأخيرة دون بذل جهود جادة لمحاصرته وإنهائه.
لقد حظيت جامعاتنا الأردنية ولسنوات طويلة بمكانة رفيعة عربيا ودولياً، وتمكن خريجوها من منافسة خريجي كبرى الجامعات في العالم على التوظيف وعلى مقاعد الدراسات العليا أيضاً، وكانت جامعاتنا دائما من أوائل خيارات دول عدة لابتعاث طلبتها وشكل هذا مصدرا مهما من مواردها المالية.
لكن هذا الواقع الذي تشهده جامعاتنا اليوم وما ينتظرها أيضا من نتائج سلبية لقرار زيادة نسب القبول دون أي اكتراث لتبعاته ودون أي تدابير متخذة لاحتواء هذه الأعداد بشكل مناسب، سيشكل تهديدا كبيرا لسمعة واعتمادية جامعاتنا ولمصير خريجيها من الطلبة.
القضية في الحقيقة وبعد أن نفذ القرار أصبحت معقدة لدرجة تخلق بعض اليأس من إمكانية وجود حل لها، لكن الأمر يجب أن يتم التفكير به بمسؤولية عالية، تتناسب مع الكلفة الكبيرة لآثاره.
إذا لم نتدارك الأمر بحكمة، فسنكون خلال سنوات أمام آلاف العاطلين الجدد عن العمل ممن لا يملكون أي مهارات عملية أو حياتية، كما ستفقد جامعاتنا أي عوامل جذب للطلبة الوافدين، فأي دولة هذه التي ستفكر بإرسال طلابها لجامعة لا تزود خريجيها بما يلزمهم للحياة العملية ولا يجد فيها الطالب مقعداً في قاعة الدرس ولا يحصل بها على خدمات يدفع رسوماً مقابلها!