الالتفاف من جهة اليمين

   من البادي للعيان أن رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون بدأ يشرب من ذات الكأس التي أعطاها لنتنياهو عندما كان الأخير رئيسا للوزراء. فالخلاف العلني بين رئيس الوزراء ووزير ماليته يعود إلى سنوات مضت، ولا يتوقف عند قضية الموقف من إخلاء قطاع غزة.

اضافة اعلان

     كان نتنياهو ينتمي لمعسكر شامير وموشيه أرنز في الثمانينيات من القرن المنصرم، وقد دخل هذا المعسكر في معارك كسر عظم مع معسكر شارون داخل حزب الليكود. ونجح شارون في كثير من الأحيان، وعن طريق تحالفه التكتيكي مع المضطهد ديفيد ليفي وزعيم تيار الأحرار موداعي، في إلحاق هزائم بمعسكر شامير وأرنز. وقد سمي التحالف التكتيكي بـ"تحالف الوزراء الحاشوكيم"، وهي كلمة عبرية تدل على القيود التي كان يفرضها الثلاثي على معسكر شامير وأرنز.

    التكتيك كان في غاية الوضوح، وهو الالتفاف من على يمين التيار المركزي في الحزب ورئيس الحكومة، والتهديد بشق الحزب وبالتالي إضعافه. وعادة ما يقوم هؤلاء الوزراء بتحدي رئيس الحكومة في مركز الحزب الذي يقبع فيه المتشددون، وعندها يضطر رئيس الوزراء إلى إرضائهم. وقد ترك هذا التكتيك مرارة وخصومة وانعدام ثقة بين رموز حزب الليكود في فترة ما بعد القائد التاريخي للحزب مناحيم بيغن.

     والخلاف الشخصي بين نتنياهو وشارون يعود إلى الفترة التي تلت هزيمة شامير أمام رابين في انتخابات العام 1992، ونتج عنها ترك شامير لقيادة الحزب مما أدى إلى احتدام التنافس على الزعامة فيه. وقد استطاع نتنياهو إلحاق هزيمة قاسية بشارون الذي لم يغفر ذلك لنتنياهو لغاية الآن. وقد تابعنا جميعا موقف نتنياهو من شارون عندما انتخب نتنياهو رئيسا لوزراء إسرائيل في العام 1996، إذ رفض وبشكل قاطع فكرة دخول شارون إلى حكومته، بيد أن إصرار وتهديد ديفيد ليفي بالانسحاب من الحزب والحكومة أدت إلى قبول نتنياهو بضم شارون وزيرا للبنى التحتية، لكن على مضض.

     وما إن أصبح شارون وزيرا تحت نتنياهو حتى بدأت الخلافات تدب بين الجانبين من جديد. فقام شارون بالمزايدة على نتنياهو في موضوع السلام واتفاقية الخليل، والتي بموجبها انسحبت إسرائيل من 80% من مدينة الخليل. إذ ألقى شارون خطابا مدويا في مركز حزب الليكود، مذكرا المتشددين بأرض إسرائيل الكبرى، ومحرضا إياهم على الثورة داخل الحزب. إلا أن تعقيدات الخريطة الحزبية والائتلافية آنذاك، أدت إلى نجاة نتنياهو بشق الأنفس من أزمة حزبية وحكومية وأيديولوجية حقيقية. وقد استمر شارون بالعمل، ودون كلل، من أجل تقويض سلطة نتنياهو والحلول مكانه. وجاءت الفرصة على طبق من ذهب بعد هزيمة نتنياهو في الانتخابات أمام باراك في العام 1999، فعندها اضطر نتنياهو إلى الانسحاب مؤقتا من زعامة الحزب. لكن شارون الذي حل مكانه قام بكل التكتيكات اللازمة لجعل الانسحاب دائما، أو لمنع عودة نتنياهو لسدة حزب الليكود مرة ثانية.

     تكتيك الالتفاف من اليمين من أجل تحقيق مكاسب سياسية شخصية ليس مقصورا على الاثنين. فقد كان بيرس ورابين تبادلا هذا الدور لمدة عشرين عاما، ولم تنته هذه اللعبة حتى العام 1992، وبعدها فقط استطاعت الحكومة الإسرائيلية التوصل إلى اتفاقية أوسلو. وقد كتب بيرس في كتابه "المعركة من أجل السلام"، حول كيف أن التنافس بينه وبين رابين عمل على تعطيل تقدم العملية السلمية في فترة كانت شروط نجاح العملية أفضل من التسعينيات.

     ونعود إلى الوضع الحالي في إسرائيل، لنؤكد على أن محاولات نتنياهو لعرقلة خطة الانسحاب ما هي إلا تكتيك للالتفاف من اليمين. ونزعم أن شارون كان سيتخذ موقفا مشابها لو أن نتنياهو كان رئيس الوزراء الذي جاء بخطة الإخلاء. والهدف الأساسي لنتنياهو حاليا هو كيف يمكن له أن يخرج رابحا بالمعنى السياسي من معركة الأعصاب بينه وبين شارون. ويقوم نتنياهو بشن حملة تقويض خفية لجهود شارون داخل الحزب، مع انه لا يقوى على مخاطبة الجمهور الإسرائيلي بهذا الأمر، لأن الأخير يؤيد خطة شارون، ولأن الخطة تحظى بدعم أميركي وعربي.

     ويشعر شارون بالحرج، خاصة وأن حركة التمرد داخل حزبه تزداد كلما اقترب موعد تنفيذ خطة الإخلاء في منتصف الشهر القادم، إلا أن وجود حزب العمل بجانبه يمنحه قوة إضافية في صراعه غير المحدود مع خصمه العنيد نتنياهو. والحديث يدور حاليا حول إمكانية انقسام الحزب وتقديم الانتخابات الإسرائيلية.

     من الصعب التكهن بذلك، لا سيما وان كل طرف يشدد على ضرورة تحقيق الوحدة الداخلية للحزب. لكن لو انقسم الحزب في إسرائيل فان الانتخابات القادمة ستشهد حصول يمين المركز الإسرائيلي على أغلبية مقاعد الكنيست، وبالتالي تشكيل كتلة مانعة. وهذا يعني أنه حتى لو خرج حزب العمل كأكبر حزب فائز فإنه لن يشكل حكومة. وعلينا، كفلسطينيين وعرب، افتراض أن اليمين الإسرائيلي سيبقى مؤثرا كبيرا في السياسة الخارجية الإسرائيلية لسنوات عديدة قادمة.

محاضر وباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية-الجامعة الأردنية