الانتخابات البرلمانية واستعادة الثقة

هناك العديد من الدلالات على أنه سيتم إجراء الانتخابات النيابية نهاية هذا العام أو بداية العام القادم على أبعد تقدير. إجراء الانتخابات في موعدها الدستوري مؤشر على ثقة الدولة بمسيرتها السياسية ومؤسساتها الدستورية بالرغم من الظروف الإقليمية المعقدة والأوضاع الصحية المرتبطة بجائحة كورونا والأوضاع الاقتصادية المرتبطة بها. إن إجراء الانتخابات هو رسالة للخارج والداخل على حد سواء بمدى النضوج السياسي الذي وصلت إليه البلاد واحترام الاستحقاقات الدستورية التي حرص جلالة الملك على المحافظة عليها.اضافة اعلان
بالمقابل، فإن الانتخابات النيابية القادمة تبرز نفسها كتحد وفرصة للدولة الأردنية. التحدي يكمن في أن الغالبية من المواطنين فقدت الثقة بمجلس النواب على مر السنين حيث تدنت الثقة بالمجلس التشريعي إلى درجات غير مسبوقة وذلك لأسباب عديدة أهمها الدور المبالغ به في استخدام المال لتطويع إرادة الناخبين من قبل غالبية من المرشحين الذين ليس لهم خبرة أو حضور بالحياة العامة أو الحياة السياسية مما انعكس سلبًا على أداء مجلس النواب وكان مدخلًا لاستخدام البعض عضويتهم في مجلس النواب للعمل على استخدام موقعهم لتعزيز مصالحهم الاقتصادية والمالية والذي شكل مدخلًا للفساد المالي والإداري. الحكومات المتعافية استغلت نقطة الضعف هذه واستطاعت هندسة المجالس النيابية بما يخدم مصالحها وأجندتها وبالتالي أحكمت الحكومات المتعافية سيطرتها على المجلس التشريعي مما ساهم بتآكل شعبية الحكومات والمجالس المتعاقبة.
ولكن الانتخابات القادمة تشكل فرصة، إذا أحسن استغلالها، فقد تكون بداية لاستعادة الثقة بهذه المؤسسة العريقة والمهمة للحياة السياسية، وهي عملية ممكنة ولكنها ليست سهلة. بما أن الحكومة الحالية لم تفتح ملف الإصلاح السياسي كما وعدت، فلم يبق سوى ضمان نزاهة الانتخابات البرلمانية القادمة. الهيئة المستقلة للانتخابات استطاعت وبعد تجربة متراكمة ضمان جودة ونزاهة الإجراءات المرتبطة بالعملية الانتخابية، ولكن بالرغم من العقوبات الشديدة الموجودة بالقانون على استخدام المال أو تزوير الانتخابات، إلا أن الممارسة الفعلية تدل على أن استخدام المال في الانتخابات كان كبيرًا لدرجة تأثيره الحاسم على نتائج الانتخابات.
التعديلات التي أدخلت على قانون النزاهة ومكافحة الفساد فيما يتعلق باستخدام المال في الانتخابات مهمة جدًا، ليس فقط لأنها تمكن الهيئة من متابعة هذا الفساد الانتخابي إذا جاز التعبير، وإنما أيضًا لأنها تمثل رسالة للمجتمع بأن الدولة جادة في وضع حد لهذه الظاهرة الخطيرة. التعديلات على القانون والتي تتطلب، حتى يكون نافذا في موعد الانتخابات القادمة، إما إقراره في دورة نيابية استثنائية أو إقراره كقانون مؤقت بعد حل مجلس النواب، ستشكل تحولًا مهمًا في ضبط مكافحة أو الحد من تأثير المال على الانتخابات ولكنها لن تستطيع القضاء عليه كليًا وخاصة في الانتخابات القادمة لأن عملية رشوة الناخبين قد بدأت مُبكرًا من خلال الطرود التي تم توزيعها على مدى فترة ممتدة من الانتخابات الماضية. بالرغم من العقبات في القضاء كليًا على دور المال في الانتخابات، إلا أن الجدية في مكافحته ستؤدي إلى زيادة الثقة في العملية الانتخابية وبالتالي في مجلس النواب القادم.
إنه لمن المهم والضروري أن تكون الانتخابات القادمة مختلفة عن سابقاتها من حيث منسوب النزاهة المرتبطة باستخدام المال، والتي قد تشكل فرصة لتجديد النخبة السياسية في الجانب التشريعي، والذي سيكون له أثر كبير في استعادة الثقة بإحدى مؤسسات الدولة المهمة.