الانتخابات بين حياد الدولة واستنكاف الناس

استمر الأردن بالتحرك بشكل مختلف عن الإقليم الذي تجتاحه الحروب والصراعات، فأنهى قبل أيام إجراء الانتخابات البلدية واللامركزية، وكأنه يقول للعالم أجمع هذا بلد للأمن والسلم والتعايش المجتمعي. اضافة اعلان
لا تقل الانتخابات البلدية أهمية عن الانتخابات البرلمانية، وربما تكون أكثر أولوية في بلد يحتاج فيه الإنسان أن يشعر بعوائد التنمية، ولهذا فإن اقترانها مع تجربة انتخابات مجالس المحافظات تعتبر خطوة سباقة وريادية إن حققت غاياتها، وأشركت المجتمع في صناعة مستقبله.
قد لا يكون الحال والواقع مثالياً، وهذا أمر متوقع في ظل عدم ثقة الأردنيين بالسلطة التنفيذية، ولا يبدون حماسة للتجارب الجديدة، ويعتقدون أنها لم تفصل لخدمتهم وتطور حالهم المعيشي. وارتباطاً بهذا التصور المسبق لم تشهد الانتخابات البلدية واللامركزية مشاركة واسعة، ولم تتجاوز 31.71 % من مجموع المقترعين، وكما هو متوقع شهدت الانتخابات عزوفاً ومشاركة محدودة في الزرقاء 20.6 %، وعمان 16.8 %، وإقبالاً واسعاً في عجلون 62.8 %.
إحجام الأردنيين عن المشاركة في المدن الرئيسية في الانتخابات عموماً يحتاج إلى دراسة موسعة وعلمية، وإلى استنطاق الناس لمعرفة هواجسهم والتابوهات التي لا يفصحون عنها، مثل قناعتهم بالإقصاء والتهميش وعدم الحرص على تمثيلهم بشكل عادل وسماع صوتهم في المجالس المنتخبة.
رغم كل الانتقادات فقد قدمت الهيئة المستقلة للانتخابات نفسها كجهة تحرص على إنجاز انتخابات نزيهة تتبع فيها أفضل الممارسات والمعايير الدولية.
ويسجل للهيئة المستقلة للانتخاب حرصها على الاستماع لكل الملاحظات وأوجه القصور، ومتابعتها لكل ما تثيره مؤسسات الرصد والإعلام.
تعددت الخروقات وتنوعت في هذه الانتخابات، ولكن المعاينة العلمية أثبتت أنها غير ممنهجة، وهذا ما قاله فريق مركز الحياة "راصد" بمؤتمره الصحفي وهو يعدد التجاوزات وأبرزها: خرق سرية الاقتراع، التصويت الجماعي في المعازل، عدم استخدام الحبر السري مع بعض المنتخبين، عدم تدقيق الكشوف الورقية والالكترونية في بعض الحالات، استمرار الدعاية الانتخابية عند أبواب مراكز الاقتراع وداخل بعض مراكز الاقتراع، سوء التنظيم والتجمهر والاكتظاظ في بعض الصالات الرياضية التي استخدمت كمراكز الاقتراع.
ومع ذلك يؤكد فريق راصد قضية مفصلية أساسية؛ أن الهيئة المستقلة للانتخاب تعاملت بحياد بالانتخابات، وأن التجاوزات حال وجودها يُسأل عنها بعض العاملين في لجان الاقتراع والفرز الذين لم يلتزموا بالتعليمات.
الصورة الأسوأ في الانتخابات ما حدث بالموقر من تحطيم لصناديق الانتخاب بالقوة، واحتجاز رئيس مركز الاقتراع، في تكرار لمشهد الانتخابات البرلمانية، وفي تنمّر واضح على هيبة الدولة وسعيهم لفرض ارادتهم بالقوة غير عابئين بالقانون.
أحسنت الهيئة بقرارها إعادة الانتخابات، وننتظر من الحكومة إجراءات صارمة ترسخ حكم القانون على من يعبث بأمن المجتمع، ولا تهاون على حساب سمعة الأردن.
أكثر من قضية تثير الانتباه في هذه الانتخابات، أهمها حياد الدولة وترك المرشحين والتيارات السياسية تعمل بحرية في أوساط قواعدها الانتخابية، وهو ما تجلى في انتخابات بلدية الزرقاء، حيث ظفر بالمقعد أبرز رموز الحركة الإسلامية النائب الأسبق علي أبو السكر، ولم يقتصر الأمر بفوزه وحده، بل حصد حزب جبهة العمل الإسلامي حسب المعلومات الأولية على رئاسة ثلاث بلديات بما فيها الزرقاء، و25 مقعداً بمجالس المحافظات، 41 مقعداً في المجالس البلدية، 5 مقاعد بمجلس أمانة عمان.
مجالس المحافظات او اللامركزية ما تزال مفهوما غير واضح وملتبس للأردنيين، ولا اعتقد أن المرشحين الذين فازوا أو خسروا قد بذلوا جهوداً في الوصول للجمهور وتعريفه بالدور والغاية من هذا المجالس، وأرى أن أمامنا طريقا طويلا لتبصير الناس بمفهوم مجالس المحافظات، وربما في الانتخابات القادمة تكون الصورة أوضح والمشاركة أفضل ويكون المجتمع قد جنى بعض فوائد اللامركزية.
انتهت الانتخابات وأثبتت الدولة الأردنية قدرتها على تقديم نموذج مختلف، وتظل العبرة بأن يقطف الناس ثمار هذه التجارب، ونمضي بطريق الإصلاح السياسي والاقتصادي بما يعظّم الحقوق والحريات ويحقق رفاه الناس.