الانتخابات في ليبيا: لا بديل؟

القادة، خالد المشري، فايز السراج، عقيلة عيسى، وخليفة حفتر أثناء مؤتمر دولي عن ليبيا عقد في فرنسا – (أرشيفية)
القادة، خالد المشري، فايز السراج، عقيلة عيسى، وخليفة حفتر أثناء مؤتمر دولي عن ليبيا عقد في فرنسا – (أرشيفية)

 ترجمة: علاء الدين أبو زينة 

كريم مرزان – (يور ميدل إيست) 6/6/2018

هناك بديل عن إجراء انتخابات في ليبيا، هو الذي اقترحه مسبقاً الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، غسان سلامة، وإنما تم التخلي عنه عند مواجهة أول صعوبة. وقد رأت تلك الخطة، التي اقترحها وسيط الأمم المتحدة أول الأمر في أيلول (سبتمبر) 2017، تعديل الاتفاق السياسي الليبي ليسمح بإنشاء مجلس رئاسي أصغر وأكثر فعالية، وتشكيل حكومة تكنوقراط للاضطلاع بالمهمات الصعبة المتمثلة في جلب النظام والأمن. وفي الوقت نفسه، سوف تعيد الخطة تشغيل الاقتصاد وتقوم بتوفير الخدمات التي تمس الحاجة إليها والتي كان السكان الليبيون قد اعتادوا على تلقيها قبل بضع سنوات فحسب.

اضافة اعلان

*   *   *

في هذه الآونة، تواصل فكرة عقد انتخابات رئاسية وتشريعية في ليبيا بحلول نهاية العام 2018 جمع الزخم منذ تم اقتراحها أول الأمر في أواخر شهر تشرين الأول (أكتوبر) من العام 2017. وكان قد تم التوصل إلى اتفاق مؤقت لإجراء انتخابات في 10 كانون الأول (ديسمبر) في مؤتمر عُقد في 29 أيار (مايو) في باريس، والذي حضرته الشخصيات السياسية الرئيسية في ليبيا: رئيس مجلس الرئاسة فايز السراج، ورئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح، ورئيس مجلس الدولة الأعلى خالد المشري، وقائد الجيش الوطني الليبي خليفة حفتر. وكان المجتمع الدولي حاضراً أيضاً بوجود وفود من معظم أصحاب المصلحة الأوروبيين والإقليميين.

لكن الذي كان غائباً في هذا الاتفاق هو وجود أي تفاصيل محددة حول كيفية التغلب على العقبات التي تحول دون إجراء الانتخابات. وقد أثار العديد من الصحفيين والخبراء الإقليميين والمنظمات غير الحكومية الكثير من الاعتراضات المعقولة والعقلانية والأساسية. وتتركز الاعتراضات الرئيسية على استحالة عقد انتخابات حرة ونزيهة في بيئة ليبيا الأمنية غير المستقرة. كما يشير المعترضون أيضاً إلى عدم جدوى انتخاب هياكل مؤسسية من دون إطار قانوني يحدده الدستور، ويشيرون إلى الصعوبات التي تعترض سبيل إطلاق حملة انتخابية فعالة في بيئة ممزقة وبإعلام يعمل بالكاد.

أولئك الذين يقترحون عقد استفتاء على مسودة الدستور، والتي وافق عليها الجمعية الليبية لصياغة الدستور في تموز (يوليو) 2017، إنما يفعلون ذلك في الواقع فقط لتأجيل الانتخابات أو التوصل إلى أي حل آخر لمعالجة واقع عدم الاستقرار. كما أنهم يحاولون على الأرجح كسب الوقت في وضعٍ بينما يشكل كارثة بالنسبة لكل السكان بشكل عام، فإنه يبقى مفضلاً لدى الكثيرين الذين يستفيدون بشكل غير مشروع من الفساد المنتشر وغياب الإشراف القانوني والقضائي. كما أن الوقت اللازم لتنظيم عقد استفتاء -وفي حالة رفض الناس (المحتمل) له، إعادته إلى الجمعية التأسيسية لتنقيحه- يجعل من هذا الخيار غير عملي في هذا الوقت الحساس بشكل خاص.

تُقابل الاعتراضات التي أثيرت ضد الانتخابات بإجابة بسيطة من مؤيديها، وهي أنه ليس هناك بديل عنها والذي يمكن أن يسفر عن نتائج أفضل. والحجة التي يمكن تقديمها لعقد الانتخابات هي أن تنتج –كما يُؤمَّل- برلماناً شرعياً –بحيث تسمح بذلك بحل مجلس النواب والهيئة الاستشارية، المجلس الأعلى للدولة- وأن تصنع سجلا نظيفا تمكن الكتابة عليه من جديد. كما أنها ستؤدي أيضا إلى انتخاب رئيس ليمثل البلد ويشرف على عمل المؤسسات المختلفة. وهذه إجابة ضعيفة في حقيقة الأمر، والتي تتجاهل الكثير مما هو مرغوب. ومع ذلك، فإنها إجابة لا يمكن التغلب عليها حتى الآن بسبب الافتقار المفترض للبدائل.

هل الأمر كذلك فعلاً؟ إذا مُنح المزيد من الانتباه إلى الوضع، سوف يتضح أن هناك بديلا حاضرا؛ واحدا اقترحه مسبقا الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، غسان سلامة، وإنما تم التخلي عنه عند مواجهة أول صعوبة. وقد رأت تلك الخطة، التي اقترحها وسيط الأمم المتحدة أول الأمر في أيلول (سبتمبر) 2017، تعديل الاتفاق السياسي الليبي ليسمح بإنشاء مجلس رئاسي أصغر وأكثر فعالية، وتشكيل حكومة تكنوقراط للاضطلاع بالمهمات الصعبة المتمثلة في جلب النظام والأمن. وفي الوقت نفسه، سوف تعيد الخطة تشغيل الاقتصاد وتقوم بتوفير الخدمات التي تمس الحاجة إليها والتي كان السكان الليبيون قد اعتادوا على تلقيها قبل بضع سنوات فحسب. وعندما فشلت اللجنتان –من مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة- في التوصل إلى اتفاق حول ذلك في فترة الأسبوعين المخصصين لهذا الغرض، تم التخلي عن الخطة بحكم الأمر الواقع، وفتح الطريق إلى الانتخابات التي كانت مستبعدة في السابق. وقد تم بذل القليل من الجهد فقط والتخلي عن الفكرة كلها بسرعة كبيرة.

يمكن كثيراً أن تقدم البديل عن الانتخابات هيئة تنفيذية مؤقتة تتكون كلها-أو في معظمها- من التكنوقراط. ويمكن أن تعمل هذه الهيئة التنفيذية وفق اتفاق بين مجلس النواب والمجلس الاستشاري الأعلى، وأن تعمل على تحقيق المزيد من الاتفاقات بشأن الخطوات المختلفة الهامة التي تتعامل مع الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، والمأزق السياسي على المستويين الوطني والمحلي، وإصلاح القطاع الأمني. وسوف يشرف مجلس رئاسي يشكله الرئيس الفعلي، السراج، ورئيسا المجلسين، صالح والمشري، على هذه الحكومة المكونة من التكنوقراط، بحيث يتم بهذه الطريقة منح القادة السياسيين الفسحة الضرورية للعمل. وسوف تُسند إلى هذه الحكومة مهمة تحقيق الأهداف الأساسية التي ستكون بدورها ضرورية لعقد انتخابات حرة ونزيهة.

هذه الأهداف واسعة النطاق. وسوف يكون توحيد البلد هو المهمة الأكثر تعقيداً على الإطلاق، وإنما التي تشكل شرطاً مسبقاً أساسياً لتحقيق كل الأهداف الأخرى في ليبيا. واليوم، وبحكم الأمر الواقع، ما يزال الشرق والغرب منفصلين، والجنوب معزول ويكاد يكون من الصعب الوصول إليه. وسوف يكون توحيد المناطق عن طريق اتفاق ما خطوة مهمة إلى الأمام على طريق تأسيس الأمن وإعادة تشغيل الاقتصاد. ويمكن تطبيق إجراءات نزع السلاح وتعزيز أمن الحدود –ليس لخفض الظاهرة الإرهابية في البلد فحسب، وإنما للحد من الجريمة والنشاطات الإجرامية أيضاً، والتي تصبح أكثر تهديداً باطراد. وسوف يحدث تحسن وإعادة إطلاق للاقتصاد الممزق حالياً أيضاً من خلال توحيد المؤسسات الرئيسية، مثل البنك المركزي، وشركة البترول الوطنية، وسلطة الاستثمار الليبية، التي تضاعفت الآن وأصبحت لكل منها نسختان في طرابلس وبنغازي.

سوف يوفر هذا الحل، في حال تمت متابعته، الوقت اللازم لحل القضايا الشائكة. كما أنه سيتيح المجال أيضاً أيضاً لإشراك قطاع كبيرة من السكان في عملية بناء المؤسسات وتقويتها من خلال توفير الخدمات وخلق فرص العمل. ويجب أن تكون حكومة الولايات المتحدة أكثر انخراطاً في الوضع في ليبيا -وليس على أساس مبادئ إنسانية معرفة بشكل عام، وإنما لأن ليبيا تهم من منظور جوهري. إن عدم الاستقرار المنبعث من ليبيا ينتشر عبر كل المنطقة، وربما ينتقل بسهولة إلى مناطق حلفاء الولايات المتحدة مثل مصر والجزائر. ولا يمكن استبعاد الآثار المترتبة على الدول الأوروبية. وقد أصبحت الاتجاهات الإجرامية واسعة الانتشار وعنيفة بشكل مفرط. وتتمتع المنظمات الإرهابية، مثل "داعش" بفرصة لانبعاث جديد في ليبيا من خلال استغلال الفوضى وغياب النظام والاستقرار. ومن الواضح أن انعدام القانون في البلد يؤثر على المشهد الدولي، ولذلك لا تستطيع الدولة العظمى –أو لا ينبغي لها- أن تحجم عن المساعدة في استعادة النظام في ذلك البلد.

*زميل رفيع مقيم في مركز رفيق الحريري التابع لمجلس الأطلسي.

*نشر هذا المقال تحت عنوان: Elections in Libya: No Alternative? 

[email protected]