الانتفاضات هنا، وهناك، وفي كل مكان

برازيليون يحتجون ضد السياسات الحكومية مؤخراً - (أرشيفية)
برازيليون يحتجون ضد السياسات الحكومية مؤخراً - (أرشيفية)

إيمانويل والرشتاين* – (ميدل إيست أونلاين) 1/7/2013

 ترجمة: علاء الدين أبو زينة

 

اضافة اعلان

ثمة الانتفاضة المستمرة الآن في تركيا، التي تبعتها انتفاضة أكبر في البرازيل، والتي أعقبتها انتفاضة أخرى كانت أقل ملاحظة –لكنها ليست أقل حقيقية- في بلغاريا. وبطبيعة الحال، لم تكن هذه الانتفاضات هي الأولى، وإنما تشكل فقط أحدث الحلقات في سلسلة من الثورات التي تجتاح كل أنحاء العالم في السنوات الأخيرة. وهناك طرق عديدة لتحليل هذه الظاهرة، لكنني أراها باعتبارها عملية مستمرة لما كان قد بدأ كثورة عالمية في العام 1968.
من المؤكد أن كل انتفاضة تظل خاصة في تفاصيلها وفيما يتعلق بعلاقات القوى الداخلية في كل بلد. لكن هناك بعض أوجه الشبه التي تنبغي ملاحظتها، إذا أراد المرء أن يستخلص معنى مما يجري، وأن يتخذ قراراً بشأن ما ينبغي علينا جميعاً، كأفراد وجماعات، أن نفعله.
يبدو أن السمة الأولى المشتركة، هي أن كل الانتفاضات تميل إلى أن تبدأ صغيرة جداً -حفنة من الناس الشجعان الذين يتظاهرون من أجل المطالبة بشيء ما. وبعد ذلك، وفي حال صمدت وترسخت -وهو الأمر الذي لا يمكن التنبؤ به إلى حد كبير- فإنها تكبر وتصبح واسعة النطاق. وعلى حين غرة، لا تعود الحكومة وحدها هي التي تحت الهجوم، وإنما الدولة إلى حد ما، كدولة. وتصبح الانتفاضات مزيجاً من الداعين إلى استبدال الحكومة بواحدة أفضل منها، ومن أولئك الذين يشككون في شرعية الدولة نفسها. وتقوم كلا المجموعتين باستدعاء ثيمات الديمقراطية وحقوق الإنسان، على الرغم من أن التعريفات التي تُعطى لهذين المصطلحين تبقى بالغة التنوع. لكن نغمة هذه الانتفاضات، بشكل، تبدأ على الجانب الأيسر من الساحة السياسية.
بطبيعة الحال، تقوم الحكومات في السلطة بإصدار ردود فعل. إما أنها تحاول قمع الانتفاضة، وإما أنها تحاول استرضاء المنتفضين وتهدئتهم بتقديم بعض التنازلات، أو أنها تحاول الجمع بين هذين النوعين من الاستجابات. وغالباً ما ينفع القمع، لكنه يفضي في بعض الأحيان إلى نتائج عكسية على الحكومة في السلطة، بحيث يجلب المزيد من الناس إلى الشوارع. وكثيراً ما تنفع سياسة التنازلات أيضاً، لكنها قد تأتي في بعض الأحيان بنتائج عكسية على الحكومة، حين تدفع الناس في الشارع إلى تصعيد مطالبهم. وبصفة عامة، تحاول الحكومات استخدام طريقة القمع أكثر من التنازلات. وبصفة عامة أيضاً، يميل القمع إلى العمل في المدى القصير نسبياً.
السمة المشتركة الثانية بين هذه الانتفاضات، هي أن أياً منها لا تظل مستمرة بنفس الوتيرة العالية لفترة طويلة. إما أن يرضخ المعتصمون للتدابير القمعية، وإما أن تتمكن الحكومة من احتوائهم وتحييدهم إلى حد ما، أو أنهم يصابون بالسأم والإجهاد نتيجة العمل الشاق الذي تتطلبه التظاهرات المستمرة. ولا شك أن هذه التلاشي الظاهر للاحتجاجات هو أمر طبيعي، لكنه لا يشير إلى فشل الاحتجاجات.
وهذه في الحقيقة هي السمة المشتركة الثالثة للانتفاضات. مهما كانت الطريقة التي تأتي بها إلى نهايتها، فإنها تترك إرثاً. إنها تكون قد غيرت شيئاً ما في سياسة البلاد، وإلى الأفضل في أغلب الحالات. وتكون قد وضعت بعض القضايا الرئيسية، مثل مسألة عدم المساواة، على سبيل المثال، المساواة، على الأجندة العامة. أو أنها تكون قد رفعت منسوب الشعور بالكرامة لدى الشريحة الدنيا من السكان. أو أنها تكون قد زادت الشكوك حول الخطاب الذي تميل الحكومات إلى إخفاء سياساتها تحته.
أما القاسم المشترك الرابع فهو أن العديدين ممن ينضمون إلى كل انتفاضة، خصوصا إذا ما انضموا إليها في وقت متأخر، لا يفعلون ذلك من أجل تعزيز الأهداف الأولية التي بدأت بها، وإنا من أجل حرفها عن وجهتها، أو جلبها إلى جهة جماعات القوة السياسية اليمينية التي تختلف عن تلك الموجودة الآن في السلطة، لكنها ليست بأي حال من الأحوال أكثر ديمقراطية أو مراعاة لحقوق الإنسان.
القاسم المشترك الخامس، هو أن هذه الانتفاضات جميعاً تتورط في الشعوذة الجيو-سياسية. ودائماً ما تعمل الحكومات القوية خارج البلد الذي يحدث فيه الاضطراب ببالغ الطاقة -وإن لم يكن دائماً بنجاح- لمساعدة الفئات التي تكون مواتية لمصالح الحكومة الخارجية في الوصول إلى السلطة. ويجري ذلك في كثير من الأحيان بحيث يحدث، حتى الآن، أن يكون أحد الأسئلة المباشرة حول انتفاضة معينة دائماً، أو ينبغي أن يكون دائماً: ماذا ستكون تداعياتها على النظام العالمي ككل. ويبقى تحديد ذلك أمراً بالغ الصعوبة، بما أن العواقب الجيوسياسية المحتملة قد تقود المرء إلى رغبة الذهاب في اتجاهات مناقضة لاتجاه مناهضة الحكم الشمولي الذي بدأ منه.
وأخيراً، دعونا نتذكر في هذا الصدد، كما هو حال كل ما يجري الآن، أننا نعيش في خضم مرحلة انتقالية هيكلية من اقتصاد عالمي رأسمالي متلاش، إلى نوع جديد من النظام. لكن هذا النوع الجديد من النظام يمكن أن يكون أفضل أو أسوأ. هذه هي المعركة الحقيقية التي ستدور في الـ 20-40 سنة القادمة، أما كيف نتصرف هنا، هناك، وفي كل مكان، فيجب أن يتم تقريره في إطار هذه المعركة السياسية الأساسية والرئيسية الدائرة في جميع أنحاء العالم.

* باحث كبير في جامعة ييل، ومؤلف كتاب "انحدار القوة الأميركية: الولايات المتحدة في عالم من الفوضى"، (نيو برس)

[email protected]