الانتفاضة وخيارات الشعب الفلسطيني

فيما يتزايد الإجرام والبطش الإسرائيليان، ردا من الاحتلال على تصدي الشعب الفلسطيني بصدوره العارية لمخططات وانتهاكات الاحتلال للمسجد الاقصى والقدس، بات السؤال مشروعا ومنطقيا، عن احتمال الوصول إلى الانتفاضة الثالثة، خاصة في ظل تكريس انغلاق أفق الحل السياسي، وابتعاد خيار استئناف المفاوضات، في وقت تتوعد فيه حكومة بنيامين نتنياهو الارهابية بمزيد من الاجرام والتدمير لأبسط مقومات الحياة للفلسطينيين.  اضافة اعلان
البطولة التي يبديها المقدسيون ومرابطو ومرابطات "الأقصى" في التصدي لقطعان المستوطنين وجنود الاحتلال، وعمليات المقاومة النوعية الأخيرة، التي قتل فيها مستوطنون وجنود احتلال، والهبة الشعبية في عموم الضفة ومخيماتها ضد الاحتلال، كلها مؤشرات يمكن اعتبارها مقدمات لاندلاع انتفاضة ثالثة.
ويعزز هذا الخيار أيضا وصول قصة المفاوضات والتهرب من استئنافها إسرائيليا، إلى عنق الزجاجة والانغلاق التام، فيما يتسع الاستيطان والقضم الواسع لما تبقى من اراضي الضفة، وتنقضّ اسرائيل على ما تبقى ايضا من "مزايا حياتية ومعيشية" كان خرج بها الفلسطينيون من اتفاق اوسلو، وسط تواطؤ وعدم اكتراث من قبل المجتمع الدولي!
إن كان الحديث هو عن توفر اسباب اندلاع انتفاضة جديدة، فهي بلا شك متوفرة اليوم بأجلى صورها، وحتى الرئيس الفلسطيني محمود عباس والسلطة الفلسطينية، التي نزع الاحتلال منها كل مقومات السيادة، ولم يبق الا على هياكلها فقط، لم يعودا يتحدثان عن أي آفاق حقيقية لاستئناف اسرائيل للمفاوضات، فيما يسقط الاحتلال من ايديهما كل يوم اي مبررات للبقاء او الاستمرار.
اذن، لا شك في ان كل الاسباب متوفرة لاندلاع الانتفاضة، بغض النظر عن صيغة المقاومة، التي يمكن ان يبتدعها الشعب الفلسطيني، بنضاله في هذه الانتفاضة المحتملة. لكن السؤال الآخر، الذي لا يقل اهمية عن سؤال الاسباب، هو المتعلق بتوفر مقومات وعوامل اندلاع مثل هذه الانتفاضة الشاملة لدى الشعب الفلسطيني ومقاومته وفعالياته الوطنية.
لا تبدو الاجابة عن السؤال الثاني سهلة على المراقب والمحلل، فثمة عوامل موضوعية وذاتية مهمة تدفع لاستبعاد اندلاع مثل هذه الانتفاضة الشاملة، على غرار انتفاضتي 1988 و2001، يمكن التوسع بمناقشتها، من قبيل حالة الانهاك الاقتصادي والمعيشي والحياتي، التي يعيشها الشعب الفلسطيني في الضفة، ناهيك عن سطوة الاحتلال الاسرائيلي وفرضه امرا واقعا فيها، تقطيعا وتقسيما وتفكيكا لتواصل الفلسطينيين. والاهم في هذا السياق ان الواقع العربي والدولي الحالي، بانشغاله وتورطه بالازمات المشتعلة في الاقليم، لا يمكن ان يوفر للشعب الفلسطيني الأعزل، اي دعم سياسي او معنوي، ناهيك عن دعم جدي على الارض. 
اضف الى ذلك، ان تواصل الانقسام الفلسطيني بين الضفة وغزة و"فتح" و"حماس"، يفقد الشعب الفلسطيني اهم مقومات القوة والصمود. ولا يبدو ان "فتح" او "حماس" مستعدتان اليوم للقفز عن مصالحهما وحساباتهما الخاصة، والذهاب لخيار المصالحة الحقيقية، او الاتفاق على برنامج الحد الادنى.
لكن، ومع ذلك، ورغم غياب مقومات اندلاع انتفاضة شاملة، فان احدا لا يمكن له المراهنة على استكانة الشعب الفلسطيني، ورضوخه وتسليمه بهذا الواقع المرير، فقد سبق لهذا الشعب ان ابدع الانتفاضة الاولى، عندما اعتقد الاحتلال والعالم ان المقاومة الفلسطينية انتهت، كما ابدع في اشتقاق صيغ مقاومة، تجمع بين المسلحة والمدنية والسياسية في انتفاضته الثانية، فما الذي يمكن ان يمنعه من إبداع صيغة مقاومة جديدة، وقلب الطاولة على رأس الاحتلال مرة أخرى؟
قد لا تصل تطورات الاوضاع في الضفة الغربية اليوم الى مرحلة الانتفاضة الشاملة، لكن استمرار الوضع السائد حاليا، وتواصل انغلاق افق الحلول السلمية، لا يبدو ممكنا القبول به، من قبل الشعب الفلسطيني، وما عمليات اصطياد المستوطنين وجنود الاحتلال، بالسكاكين وعمليات الدهس، الا مؤشرات على صيغ ابداعية جديدة، للشعب الفلسطيني ومقاومته، في التصدي لأبشع احتلال على وجه الأرض.