الانتقاد والتجريح من الشريك.. ألم وخيبة أمل وحزن يصعب تجاوزه

Untitled-1
Untitled-1
مجد جابر عمان- "ما رأيك بالذهاب للجيم"، "عندما تزوجتك لم تكوني هكذا"، "ممكن تنظمي وجبات طعامك"، هذه بعض الجمل التي باتت تتردد على مسامع شيماء يوميا من قبل زوجها، لدرجة جعلتها تكره نفسها، وتعتقد بأنها شخص "قبيح" جداً، ولا يملك أي صفة جيدة. تقول شيماء إنه وبالرغم من عدم مرور فترة طويلة على زواجها، إلا أنها لا تعرف ما السبب الذي يجعل زوجها يستمر بانتقادها بأسلوب قاس وجارح، إلى أن شعرت بأنها أسوأ شخص بالعالم، ولا تمتلك أي صفة إيجابية، مبينةً أنها أمامه لا تظهر أي شيء على الإطلاق، إلا أنها بينها وبين نفسها أصبحت تكره النظر الى المرآة. وتضيف أنها أحياناً كثيرة ترغب في سؤاله عن سبب ارتباطه بها، كونها لا تعجبه، غير أنها ترفض أن تظهر له ضعفها. مبينة "لا يوجد شعور في العالم أسوأ من شعور المرأة، بأنها لا تحظى بإعجاب زوجها خصوصاً، فهي تسعى دائما للظهور بأحلى صورة أمامه تحديدا، لكن يقابلها بالرفض والانتقاد". "ثقتي بنفسي باتت معدومة"، بهذه الجملة بدأت لانا أحمد حديثها عن خطيبها الذي لا يكف عن توجيه الملاحظات والانتقادات لها، وبطريقة عشوائية غير مبنية على أي شيء جوهري، مبينةً أنه يقتنص الفرص من أجل إظهارها بطريقة سلبية، وإظهار أسوأ ما عندها متجاهلا تماماً أي شيء "مميز" في شخصيتها أو حتى مظهرها. وتضيف "بعد فترة من هذه الانتقادات.. وبعد أن حولها لشخصية لا تثق بنفسها عى الإطلاق، شعرت بأنها "كتلة" من السلبيات، وقررت الانفصال عنه من أجل مراعاة صحتها النفسية"، مبينةً أن الحياة مع شخص بهذه السلبية مستحيلة، ومن لا يريد أن يتقبلها كما هي، فلا داعي لوجوده بحياتها. وفي ذلك، تذهب دكتورة الإرشاد التربوي والنفسي والمتخصصة في العلاقات الزوجية، سلمى البيروتي، إلى أنه بشكل عام دائماً كلمة الشريك للآخر سواء قبل الزواج أو بعده مؤثرة جداً، فإما أن ترفع معنويات الشخص كثيراً أو تهبطها، لذلك لا بد أن نعرف الانتقاد بأنه هجوم لفظي على الشخص الآخر ونعته بصفات سيئة وسلبية. وتضيف البيروتي "عندما يتكرر هذا الأسلوب، يجعل العلاقة مع الوقت تذهب بطريق الانهدام، وتسلب الحميمية من العلاقة، ومشاعر الدفء والتقارب"، مبينةً أنه من المهم تفسير ذلك نفسياً وبيولوجياً وفكرياً وسلوكياً، فكثرة الانتقاد تجعل الشخص يكن للطرف المنتقد مشاعر سلبية، فمهما فعل لن يعجبه شيء على الإطلاق، وبالتالي تذهب خصلة حب التعاون التي من المفترض أن تكون موجودة بينهما والمشاركة. إلى جانب أن الشخص سيبحث عن عيوب الشخص المنتقد لمعايرته، وفق البيروتي، وهو ما يجعل العلاقة في منحى ثان، مبينةً أن الانتقاد فسيولوجياً يفرز هرمونين، منهما هرمون الضغوطات الكورتيزول، وهرمون الأدرينالين، وكلاهما يولد الشعور بعدم الراحة والتهديد والتخبط، واتباع سلوكيات ليس بها مشاركة على الإطلاق. وتضيف البيروتي، أنه نفسياً من المتوقع أن يكون هذا الإنسان مصدر الطمأنينة في حياة الشريك أو الطرف الثاني، الا أن كثرة الانتقاد تجعل الطمأنينة والراحة والاشتياق تختفي من العلاقة تماماً، لافتةً الى أن الانتقاد مؤلم جداً. وتعتبر أن هذه الهرمونات تفرز عندما يشعر الشخص بالتهديد، وبالتالي تضعف من جهاز المناعة لدى الشخص ويصبح أكثر عرضة للأمراض، الى جانب أن قيمة الذات لدى الشخص تتأثر، فيصبح كل همه رضا الشريك عنه، وأن يراه بطريقة جميلة، مبينة أن الحياة كلها عبارة عن أسلوب، وأسوأ أسلوب فيها هو الانتقاد. وتزيد "بالتالي الانتقاد يشكك الشخص بذاته وأنه أقل من التوقعات، ويتجاهل كل شيء جميل أو إيجابي بالشخص، فلا يوجد شخص خالياً من الايجابيات أو العكس"، مبينةً أن السؤال الأهم هو لماذا يلجأ الشخص من الأساس للانتقاد؟ وتلفت بيروتي إلى أن العلماء أشاروا لمصادر الانتقاد، وهي، عدم تلبية رغبات الطرف الآخر، ما يجعله مع الوقت ومع تكرار الأشياء يلجأ الى الانتقاد، مبينة أن الإنسان دائما لديه توقعات كبيرة تجاهه، بالتالي عدم الحصول عليها تماما يخلق هذا الجو، وهو الانتقاد. وتشير إلى أن التغلب على هذا الشيء يكون بأن يرأف الشخص بنفسه أولا، وألا يلوم نفسه بأنه مقصر ويستحق هذا الانتقاد، الى جانب أنه أحيانا يكون الشخص قد درب نفسه وعقله أن يرى الشيء الناقص في الشخص ويبحث دائما عن الثغرة والأمر السلبي في الطرف الآخر، وهذا شيء خاطئ جدا. وهذا كله يبعث مشاعر الألم والحزن وخيبة الأمل، لذلك الأسلوب أمر مهم جدا ودائما عندما يريد الشخص الانتقاد لا بد أن يبدأ بالأمور الإيجابية قبل ذكر سلبيات الآخر، مبينة أن كل شخص يجب أن يتقبل ذاته كما هي، ونسامح بعضنا بعضا، ودائما نعبر عن الشكر والامتنان للتغلب على الانتقاد، ونركز على جوهر الأمور أكثر، وفق بيروتي. في حين يعتبر الاختصاصي النفسي والتربوي الدكتور موسى مطارنة أن العلاقة الزوجية قائمة على الاحترام والتفاهم والانسجام، وهذه المفاهيم والمعاني لا تتطابق مع النقد، فهو محاولة للتقليل من قيمة الشريك ويخلق حاجزا نفسيا، وحالة من عدم الانسجام. ويشير الى أن العلاقة الزوجية قائمة على تقبل الآخر بإيجابياته وسلبياته، والحوار المستمر للوصول الى منطقة وسطية بدون اللجوء الى الانتقاد، فكل شخص له شخصيته ومقوماته وسلبياته وإيجابياته، فلا يوجد إنسان كاملاً، ولا يمكن أن تكون مقومات الحياة الزوجية قائمة على أمور مظهرية أو سطحية. وبالتالي، هذا يعد تعنيفا لفظيا، ويتناقض مع احترام كل منهما للآخر، وفق مطارنة، مبينا أنه لا يجوز أبدا أن يسود هذا الجو بين الشريكين، كونه سينعكس على الأسرة والأبناء، فدائما العلاقة الزوجية يجب أن تقوم على أن ترى الشريك أحسن شخص بالعالم وتقبله كما هو، وإذا بدأ النقد وهذا النوع من الحديث، فلا بد هنا من التوقف عنده ومعالجته.اضافة اعلان