الانتقال من اليومي الى الاستراتيجي

قدمت الحكومة الاسبوع الماضي جردة حساب لإنجازاتها في الربع الاول من العام، وهذا تقليد في الشفافية يحسب للحكومة اذا ما تم ترسيخه واستدامته، جردة الحساب فيها بعض المؤشرات المهمة التي تستحق الحديث حولها، وتحديدا في الملف الاقتصادي الاكثر صعوبة وتعقيدا، ولكن السؤال المهم لماذا يستمر تآكل الثقة العامة في الحكومة رغم قدرتها على تجاوز سلسلة من الاحداث الصعبة والكوارث القاسية خلال الاشهر الماضية، ورغم انها لم تقدم اداء مميزا ولكن المؤشرات ليست اسوأ من الحكومات السابقة بل بعضها افضل بكثير. تتحدث المؤشرات الحكومية عن ارتفاع الصادرات 13.6 % في شهر كانون الثاني 2019 مقارنة مع نفس الفترة من العام الماضي. لكن، هل استمر هذا الارتفاع او تم الحفاظ عليه ؟. التسريبات تشير الى ان ارقام الصادرات عادت الى التراجع، وهو ما يقود الى ان تدفق السلع والخدمات عبر الحدود السورية والعراقية ما يزال يواجه معوقات كبيرة، ما يعني ان العمل السياسي والاستراتيجي ما يزال قاصرا عن سد هذه الثغرات. في المقابل تسجل المؤشرات زيادة واضحة في رؤوس اموال الشركات المسجلة بنسبة 34 % وعدد المؤسسات الفردية 14 % في الربع الاول من العام، وارتفاع عدد العلامات التجارية بنسبة 24 %، وزيادة ارباح الشركات بنسبة 41 %، فيما زادت الايرادات من ضبط التهرب الضريبي بنسبة 62 % ؛ هذه المؤشرات من المفترض ان تنعكس بشكل واضح في حركة الاستثمار وبالتالي في مجمل النمو الاقتصادي، ولكن المهم ان نسمع اجابة من الحكومة حول هل سيستمر هذا الزخم في الربع الثاني من العام. ارقام البطالة تستمر في التصاعد رغم ان الحكومة تقول انها استطاعت ان توفر في الربع الاول نحو 8 الاف فرصة عمل جديدة، ضمن 30 الف فرصة وعدت بتوفيرها هذا العام غير الفرص التي يولدها الاقتصاد وفق المعدل العام، وربما هذا التحدي الاكبر المرتبط بمصفوفة الاقتصاد، فالاستثمار وزيادة النمو وكل المؤشرات الاخرى يجب ان تصب في توفير فرص عمل جديدة. في القراءة السريعة لجردة حساب الربع الأول من العام يبدو ان الحكومة استطاعت ان تدير العمل اليومي وان تواجه التحديات المحلية بقدرة لا بأس بها، ولكنها الى اليوم لم تنتقل الى العمل الاستراتيجي اي الاشتغال في عمق السياسات، على سبيل المثال، استطاعت الحكومة ان تستثمر جهود الملك الاقليمية والدولية وتبني عليها سواء في العلاقات الاقتصادية والسياسية الاقليمية صوب العراق وسورية تحديدا، ولكن العمل لم يكتمل وما زالت حركة التجارة عبر حدود البلدين لم تنطلق ومعرضة للعودة للمربع الاول، اذا ما بُذلت جهود سياسية في العمق. يتكرر الامر في الداخل، ربما نلتمس العذر للحكومة في اغراقها في العمل اليومي وانشغالها في الازمات الداخلية لكن اعتبارا من الربع الثاني من العام لا توجد اعذار من الانتقال الى العمل على السياسات وعلى المستوى الاستراتيجي على سبيل المثال الحاجة الماسة الى تفكيك سوق العمل والقطاع غير الرسمي او غير المنظم، إن الوصول الى سياسة اكثر جرأة وكفاءة في هذا المجال سيقود الى مصفوفة واسعة من الحول سوف تنعكس على المدى المتوسط والبعيد في فرص التشغيل وفي جودة الخدمات وفي ايرادات الخزينة والتهرب الضريبي. الحكومة بحاجة الى تشكيل فريق او خلية عمل من داخلها مسنودة بعدد محدود من الخبراء للعمل على المستوى الاستراتيجي، في اعادة بناء السياسات العامة وبناء مصفوفات من الحلول الواقعية واستعادة كفاءة ادارة الموارد، إن آفة العمل اليومي هي مقتل كل الحكومات فعلى مدى ثلاثة عقود نعيد انتاج الازمات ذاتها ولا نستديم شيئا اكثر من مصادر الهشاشة والضعف.اضافة اعلان