الانقلاب في غزة

على من ستنقلب حماس وهي فازت في الانتخابات منذ عام؟ سؤال بدهي يلزم تكراره مع كل انفجار للأوضاع في غزة والأراضي الفلسطينية.

المسألة ببساطة أن الحصار السياسي والمعيشي لم يسقط حكومة حماس، ولم يفت من عضدها العسكري. وحتى اليوم، لم تفلح إسرائيل في تحرير جنديّها المختطف، لا بالاجتياحات ولا بالمفاوضات؛ وذراع المقاومة وصل مع كل ذلك إلى إيلات.

اضافة اعلان

يستطيع أن يدعي المقاولون الأمنيون تفوقا على الإسرائيليين. فهم قادرون، بقليل من الدعم الأميركي، على تجريد حماس من سلاحها، وتحرير الأسير المختطف من دون صفقة تبادل. إتمام المهمة صعب وإن كانت بدايتها (الحرب الأهلية) سهلة. وبالأثناء، يتحقق إنجاز كبير؛ فالحكومة ستشل تماما في غضون الحرب الأهلية، وما تبقى لديها من إمكانات سيستنزف في  معالجة كارثة الحرب الأهلية.

لخص عزمي بشارة، السياسي والمثقف الفلسطيني، الوضع بأنه صراع على إدارة السجن، وهو صراع بائس، لأن المستفيد منه هو السجان ومن وراءه. فإسرائيل -برضا أميركي- تؤكد يوميا أنها لا تتعامل مع الفلسطينيين بوصفهم بشرا لهم حق الحياة على أرضهم. ولذلك، هم الشعب الوحيد في العالم الذي يتعرض للحصار والتجويع عقوبة على خياره الديمقراطي، من دون أي شرعية دولية.

وللمقارنة، حوصر العراق بعد احتلال الكويت، ومنع من استيراد المواد العسكرية والمواد ذات الاستخدام المزدوج، لكن في عز الحرب لم يُمنع من إدخال أموال أو مساعدات غذائية وطبية، والبلد لم تجر فيه انتخابات، وظل يحكمه صدام حسين إلى أن علق على أعواد المشانق. أما الفلسطينيون فلم يحتلوا أرض أحد، لكن لا يسمح لهم بإدخال الأموال والمساعدات، خلا ما خص الحرس الرئاسي العتيد.

لم يستمر حصار لبنان طويلا، وكسر فور انتهاء العمليات الحربية. والبلد يحكمه رئيس ممدد له بشكل غير ديمقراطي، وهو في مرمى الاتهامات، كما أن المقاومة فيه تفاخر بامتلاكها صواريخ دكت حيفا وما بعد حيفا، وتحتفظ حتى اليوم بأسيريها الإسرائيليين، ومع ذلك يتداعى العالم لنصرة لبنان اقتصاديا، ويؤمن له زهاء السبعة بلايين دولار قروضا ومساعدات.

المقارنة هنا مع شعوب عربية وإسلامية تصنف بـ"المارقة" أميركيا، أما الإسرائيليون، فهم في سوية فوق البشر، ويزداد الدعم لهم مع ازدياد عدوانهم.

بدهيات مكررة! حسنا، يجدر تكرراها، حتى لا تنقلب المفاهيم. ما يجري في غزة انقلاب مسنود عالميا، وأخلاقيا لا يجوز السكوت. فالدماء التي تراق في سبيل الانقلاب دماء بريئة لبشر يستحقون الحياة، ولا يحق لأي قوة، محلية أو دولية، إلغاء خيار الشعب الفلسطيني. ما فعله الفلسطينيون هو ما يفعله الفرنسيون في نظام المساكنة؛ رئيس وزراء من حزب ورئيس جمهورية من حزب آخر؛ وهو ما يفعله الأتراك واللبنانيون أيضا، وكثير من شعوب العالم، بمن فيهم الإسرائيليون.

تكرارا، ماذا جرى مع الرئيس كاتساف بعد اتهامه بالاغتصاب؟ لم نشاهد ميليشيات أولمرت تحاصر المقر الرئاسي. حتى النظام الأميركي فيه ثنائية التشريع والرئاسة، وبوش مضطر إلى التعامل مع ألد أعدائه في الكونغرس.

هل سيكرر عباس ومشعل تلك البدهيات في لقائهما المرتقب؟ لم يتفقا في دمشق، فهل يتفقان في مكة؟ مستبعد أن يتم الاتفاق، فالمطلوب هو إخراج حماس من السلطة بأي ثمن، وبأي طريقة، وما لا يقل أهمية عن ذلك الإفراج عن شاليط؛ فالخشية أن يتعكر مزاجه في حال سماعه أصوات الاشتباكات! حقيقة، ما يشغل الأميركيين والإسرائيليين هذه الأيام هو حياة شاليط.

[email protected]