الاهتمام الزائد بالأبناء يولد غيرة الآباء

الاهتمام الزائد بالأبناء يولد غيرة الآباء
الاهتمام الزائد بالأبناء يولد غيرة الآباء

ديما محبوبه

عمان- الغيرة طبع في النفس البشرية، يقره علم النفس، ويكاد يصل مرحلة الغرائز الأساسية، وأحيانا تكون الغيرة محببة ومطلوبة، بتعبيراتها الإنسانية الجميلة، لكنها تغدو مقيتة إذا بلغت حد الحصار أو تحولت إلى مرض قاتل لصاحبه ولمن حوله، أيضا.

اضافة اعلان

والغيرة مقبولة إذا تعلقت بالأزواج والعشاق، لكن أن تصل إلى غيرة الآباء من الأبناء، فذلك ما يشي بمعضلة ينبغي التنبه لها، وأخذها على محمل الجد.

وبالفعل، تشكو بعض الزوجات من تدليل أزواجهن لبناتهن بصورة مبالغ فيها، وفي المقابل يتهم بعض الأزواج زوجاتهم بتمييز الأولاد وإغداق الحب عليهم، وتلبية جميع احتياجاتهم من دون أي اعتراض، بل وتفضيلهم على الزوج والبنات.

تندرج حالة الغيرة هذه في إطار الغرابة، وفي الحالتين، يتولد نوع من الغيرة بسبب الحب الزائد، إذ تغار الأم من ابنتها أو يغار الأب من ابنه.

أم خلدون، مثلا، كثيرا ما تغار من ابنتها، والسبب كما تقول "تدليل زوجي لها أكثر من اللازم، فهو يغدق عليها الحنان ويخرج معها في نزهات فردية، ما يثير حفيظتي، ودائما ما أوجه سؤالا لزوجي، لماذا لا تهتم بي كما تهتم بابنتك؟ أو حتى بابنك خلدون وهو أصغر منها عمرا؟".

ويجيء رد أبو خلدون ساخرا "هل تغارين من ابنتك؟"، وهي من جهتها تؤكد أنه بالفعل يحبها أكثر منها ومن ابنه الآخر، وهو لا يرفض لها طلبا، إلى درجة "أني حين أريد منه أمرا، أبعث إليه لارا، (وهو اسم ابنتها) ليوافق على الطلب".

أما ميسون، وهي أم لأربعة أبناء، فترى أن اهتمام زوجها بابنتها الوحيدة جميل، لكنها تشعر ببعض الغيرة، وتتمنى لو يدللها باستمرار كما يفعل مع ابنته.

وترى أنها تخالف صديقاتها اللواتي يغرن كثيرا من بناتهن، وتقول "على العكس تماما، فأنا أشعر بالفرح عندما يهتم زوجي بابنته، لأن ذلك سيعود عليها بشكل إيجابي، لا سيما بعد أن تكبر وتتزوج".

وترجح ميسون أن الحب الشديد من قبل الوالد لابنته، يعود إلى اعتقاده بأنها أضعف من الأولاد، ويخشى عليها من أي مؤثرات خارجية.

أما عن غيرة الآباء من العناية المبالغ فيها من الزوجات بالأبناء، فيقول الأربعيني أبو سلمان "أغار من تدليل زوجتي لابننا الصغير، إذ تميل إليه وتهتم به أكثر مني، لدرجة أنها بدأت تغض النظر عن واجباتها تجاهي".

ويضيف أنه حين يسألها عن هذا الأمر تجيبه، بأن ابنهما نسخة طبق الأصل عن والده، لهذا "فأنا أحبه وأرعاه أكثر من اللازم، وذلك راجع لحبي لك".

أما العشريني علي، فإنه يغار من مولوده الجديد أحمد، ويقول إنه "أخذ اهتمام زوجتي بالكامل، فطوال الوقت تكون معه وترعاه وتسهر عليه، حتى في وقت نومه، وعند الجلوس معي يكون هو بطل السهرة وماذا فعل بها طوال اليوم".

ويستذكر الأيام الجميلة في أول زواجهما حين كانت تصر عليه أن يفطر قبل خروجه من المنزل، فضلا عن الكثير من الاهتمامات التي "أتمنى أن تعود ولو للحظة واحدة"، مؤكدا أنه لا يكره ابنه، لكنه استحوذ، بـ"الفعل" على متعة كان يعيشها قبل مجيئه.

بدوره، يبين اختصاصي علم النفس د. جمال الخطيب، أن الغيرة انفعال إنساني يظهر لدى الأفراد بفعل التنافس الذي قد يحدث بينهم، والغيرة كأي انفعال يحدث للفرد في حالة زيادته على المنسوب، أو في حالة توجيهه بشكل خاطئ، حيث يبدو كرد فعل.

ويؤكد الخطيب أنه يجب أن لا يطغى رد الفعل هذا على الحياة، على نحو كبير، لأنه في حال استمر على المنوال نفسه وتعاظم، فمن الممكن أن يصبح حالة مرضية، ويؤثر على سلوك الفرد.

ويصف بعض حالات الغيرة التي تحدث من قبل الأب ضد الابن أو غيرة الأم من البنت، بأنها "أنماط سلوكية مرضية إن زادت على الحد، وتؤشر إلى وجود ضعف في الشخصية ونقص الثقة في الذات".

أما اختصاصي علم الاجتماع في جامعة البلقاء التطبيقية د. حسين خزاعي، فيبين أن هذا الأمر يعود إلى ضعف التنشئة الاجتماعية، وخصوصا إذا تربى الزوج في بيئة أصدقاء أو أهل يتحدثون دائما عن تغير الزوجة وتقصيرها حيال زوجها بعد المولود الأول.

وخزاعي يرى أن على الأهل أن يزيدوا ثقتهم بأنفسهم، وأن ينظروا إلى الأبناء كونهم أبناء لهم وجزءا منهم، مؤكدا ضرورة توعية الزوج والزوجة بأن وجود الأطفال، سواء كانوا ذكورا أو إناثا، ينبغي أن يترافق مع إغداق الحنان عليهم، وتحمل تعاظم المسؤولية المترتبة على مجيئهم وتنشئتهم، مع ضرورة عدم تغاضي الزوج أو الزوجة عن أداء واجبات كل منهما حيال الآخر.

[email protected]