الباحث إبراهيم غرايبة يصدر كتابه "الاعتدال والتطرف"

عمان-الغد- صدر عن مركز الدراسات الإستراتيجية في الجامعة الأردنية كتاب "الاعتدال والتطرف: الأصول الاقتصادية والسياسية والاجتماعية"، للباحث الأردني إبراهيم غرايبة.اضافة اعلان
يرى المؤلف غرايبة أن الاعتدال هو النجاح والازدهار، وأن الكراهية والتطرف هما الفشل، ففي عالم من الكراهية والتطرف تسود فيه عمليات عنف فردية غير متوقعة تقوم أساسا على مجازفين مستعدين أو راغبين في الموت لا يبدو ثمة مجال للمواجهة إلا أن نفكر في عالم يسوده حب الحياة وتقديرها، لقد أصبحت المواجهة مع التطرف هي المواجهة بين حب الحياة وتقديرها وبين حب الموت، وبين الكراهية والمحبة، وفي ذلك فإننا بحاجة أن نبتدئ بالنهايات ونعود منطلقين منها خطوة خطوة.
والحال أن النظر في مبتدأ المسألة كما هي اليوم يظهر ببداهة أن معظم المؤسسات القائمة المعول عليها في المواجهة، تبدو عاجزة، بل غير قادرة على التفكير في مواجهة شخص غير مــعروف لها ابتداء يريد أن يقتل نفسه! لكن يظل السؤال المفتاحي في التفكير والبحث عن إجابة هو كيف تختفي أو تنحسر الأفكار والمعتقدات والمشـاعر المؤسسة للعنف والكراهية؟
يقول المؤلف إن المواجهة مع التطرف والكراهية هي معركة المـجتمعات والأفراد الذين لم يكونوا في الحسـبان عند بناء إستراتيجيات التعليم والتنشئة والإعلام والثقافة، واليوم يجب أن تعود السلطات إلى المدن والمجتمعات التي هيمنت عليها وأضعفت مؤسساتها وأدواتها ومواردها المستقلة، مواجهة الإرهاب إذن هي مجتــمعات متماسكة ذات منعة فكرية وثقافية وقدرة اقتصادية واجتماعية مستقلة، قادرة على العمل بنفسها ولنفسها، أي أنها ذات ولاية على المرافق والمؤسسات والثقافة والعلاقات التي تمكنها من الشراكة مع السلطة.
والتطرف بما هو أفكار ومعتقدات ومشاعر تؤسس للعنف والإرهاب لم ينحسر بعد إن لم يزد؛ ما يعني بالضرورة أن الإستراتيجيات الثقافية والاجتماعية القائمة إن لم تكن تساعد على التطرف فإنها فاشلة في مواجهته، وما من ضمان أو مؤشرات ترجح ألا تحمل الأجيال الأفكار المتطرفة وتنضم إلى الجماعات المتشددة والإرهابية، أو أن تنتج ذئاباً متفردة متهورة! كيف تنشأ البيئة الحاضنة للاعتدال والرافضة للكراهية والتطرف؟ الإجابة ببساطة ووضوح هي المنعة الفكرية والاجتماعية، لكنها أيضا ليست إجابة، فالمناعة هي الهدف العملي الذي تسعى إليه الدول والمجتمعات، وفي ذلك فإن المواجهة العملية والحقيقية مع التطرف ليست استراتيجية خاصة مستقلة عن عمليات الإصلاح والتنمية في سياقها العام والشامل.
ويمكن أن نلاحظ ونقيم السياسات التعليمية والاقتصادية والتنموية والثقافية وعلاقتها بنشوء التطرف أو مواجهته، لكن لا يمكن المواجهة من غير سياسات شاملة للتنمية والإصلاح، وتمكين المجتمعات من المشاركة الفاعلة مع الدولة وأن تكون لها مصالحها المستقلة في هذه المواجهة مع التطرف.
ويستشهد المؤلف بملاحظة لويس ممفورد "المدينة على مر العصور" أنه عندما فشل الإغريق في تحويل رجل الأعمال إلى مواطن حولوا المواطن في النهاية إلى ما هو أسوأ من رجل الأعمال. فقد صار أولا الفاتح والمستغل المتغطرس، ثم التابع الخاضع ومعلم الصغار الذليل.. حتى أصبح اسمه علما على المذلة والمهانة بين الرومان على رغم إعجابهم بقدماء الإغريق ومحاكاتهم إياهم. وهو مثال يصلح لفهم وتقدير الانفصال القائم اليوم في عالم العرب بين تشكيلاتهم السياسية والاجتماعية وبين متطلبات تحسين حياتهم وعلاقاتهم المفترضة.
إن السؤال الأساسي والبديهي الذي يدور حوله تشكيل الجماعات هو ما الطبقات والمصالح التي تمثلها وما التراث ووعي الوجود الطبقي الذي تعكسه في أدائها وبرامجها. وعلى هذا الأساس يمكن ببساطة تقييم السلوك السياسي والاجتماعي والاقتصادي للنخب والمؤسسات التي تديرها، ومحاكمة الخطاب الذي تقدمه.
وفي ذلك فإن مسار التقدم الإنساني يظهر أن الأمم والجماعات البشرية كانت تتقدم على الدوام باتجاه تحسين حياتها، وفق محركين أساسيين، أولهما البقاء وتحسين البقاء، والثاني هو البحث والتأمل. وكان التقدم الإنساني يكتشف على الدوام موارد وعلوما ومعارف ومهارات جديدة، وينشئ ويطور في الوقت ذاته مجموعة من القيم الإنسانية والثقافية والأخلاقية تعكس بحث الإنسان المتواصل عن المعنى والخير، وترتقي بحياة الإنسان ووعيه لذاته وتنظم الموارد والأعمال والعلاقات على النحو الذي يجددها ويعظمها، مثل السلام والمحبة والصدق والثقة والتعاون والتضامن والمروءة والشجاعة والكرم والتسامح والاعتدال، وكانت تنشأ أيضا وتتطور على الدوام قيم واتجاهات ثقافية مضادة لقيم الخير، مثل الكراهية والأنانية والتعصب والتطرف والعنف.