الباقورة والغمر.. تصريح حكومي خجول

يستعيد الأردنيون أراضي الباقورة والغمر، بعد نحو ربع قرن من احتلال إسرائيل لها، ففي السادس والعشرين الشهر الحالي؛ ينتهي عقد تأجيرهما لإسرائيل، بموجب "اتفاقية وادي عربة" الموقعة في العام 1994.اضافة اعلان
وطيلة الأربعاء الماضي، كانت آلة إعلام الاحتلال الإسرائيلي، تعمل كخلية نحل، جنبًا إلى جنب مع وزراء ومسؤولي حكومتها وأجهزتها المختلفة، لنفث سمومها وبث إشاعاتها، لتوحي بأن الأردن سيجدد أو يمدد استعمال منطقتي الباقورة والغمر، وبالتالي تراجع المملكة عن قرارها، باستعادتهما.
وبالرغم من أن جلالة الملك عبدالله الثاني؛ أعلنها مدويّة وبصوت عال لا يقبل الشك؛ أو أي تأويل، قبل نحو عام من الآن، بأننا أبلغنا إسرائيل قرار استعادة هاتين المنطقتين.. وقعت الحكومة في "سبات" عميق، باستثناء تصريح "يتيم" على لسان الناطق باسم وزارة الخارجية وشؤون المغتربين السفير سفيان القضاة، حين نفى صحة ما نشرته وسائل إعلام إسرائيلية، وان قرار المملكة بإنهاء تأجير أراضينا نهائي وقطعي.
يسجل للقضاة أنه كشف لنا، بأن الأردن دخل في مشاورات مع إسرائيل حول إنهاء التأجير، وليس حول تجديده، لكننا لم نسمع تصريحًا واحدًا، حتى ولو كان "خجولًا" من رئيس الوزراء عمر الرزاز أو وزيرة إعلامه جمانة غنيمات، أو حتى وزير خارجيته أيمن الصفدي، الذي يسترسل كثيرًا ببث أخبار أسفاره ولقاءاته؛ قصة الغمر والباقورة ليست من بينها بالتأكيد.
بعيدًا عن كل ذلك؛ وعما يتسرب من أن هناك "عرابين" لمثل هذه القضية المصيرية، فيجب أن يقر الجميع ويتيقن، بأن قرار استعادة أراضي الباقورة والغمر، قرار تاريخي، وهو من القرارات القليلة المصيرية، التي ستذكرها الأجيال القادمة، لأنه يؤكد أن الأردن قادر على بسط سيادة حقيقية على أراضيه التي احتلتها إسرائيل.
هذا القرار، سيأخذ مسؤولي دولة الاحتلال إلى التفكير كثيرًا، قبل أي محاولة للإقدام على اتخاذ قرار يمس الأردن، وسيجعل من المملكة تملك أوراق ضغط، ليست قليلة، في حال أحسنت استخدامها، وبالتالي تحريك ملفات سياسية واقتصادية.. فردود الفعل الإسرائيلية من تصريحات وإشاعات، على مدار عام مضى، تُفصح عن أبعاد أخرى للقرار لا تخطئها عين المراقب.
اتفاقية الغاز مع إسرائيل؛ مثلا، من الاوراق الأردنية الضاغطة في أي ملف يمكن أن يوضع على طاولة تفاوض بشأن أي قضية مع إسرائيل، وتستطيع الحكومة استخدامها على نحو جيد، ومفيد لتحقيق نتائج مجدية، مع مفاوضين؛ أعني "إسرائيليين"، متمرسين بالمراوغة، وفي هذا النطاق، يمكن لقضية الأسيرين لدى إسرائيل هبة اللبدي وعبدالرحمن مرعي؛ وهما تحت الإضراب عن الطعام الآن، أن تتفكك، في حال تقدمنا بملف واحد فقط، مما لدينا، لنضع إسرائيل في مواجهة مع ذاتها، ونجعلها تتيقن بأنها ليست وحدها من يمتلك أوراقًا للضغط، بل نحن أيضا، ولا نريد التبجح بمدى فاعليتها، وهذا بدوره ينعكس على "الغمر والباقورة"، ويسكت كذلك "عرابي" إعادة التأجير.
في المقابل، علينا أن نكون متيقظين دومًا؛ لما قد يحدث في الأيام المقبلة؛ أو ما تنوي إسرائيل الإقدام عليه، كـ"تقليص حصص المياه التي تضخها لنا"، والتي تقع في بنود اتفاقية السلام، أو التلويح بـ"ورقة الرعاية الأردنية للمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس"، أو "محاولات تقليص دور الأردن كراع للأوقاف في المسجد الأقصى المبارك".
هذا كله يجعلنا نتذكر؛ ونحن لم ننس طبعًا؛ تعطيل إسرائيل لمشروع ناقل البحرين (الأحمر - الميت)، والذي كنا نعول عليه كثيرًا، لتوفير الطاقة الكهرابائية، والمياه المحلاة لسد احتياجاتنا المائية.
كما أننا أصحاب ذاكرة قوية، وهذا يتطلب أن تخرج الحكومة بإعلامها علينا، وتظهر بأنها على قدر المسؤولية، لتؤكد وتصرح، بأن لا صحة لما تسربه إسرائيل بشأن الباقورة والغمر، وعليها ألا تكتفي بتصريح "وحيد؛ يتيم" للناطق باسم وزارة الخارجية، إلا إذا كانت هناك غاية ما، لن تفصح عنها حاليًا، بيد أن هذه الغاية في ملف حساس ويهم كل أردني، لن تعدم الشك بأداء الحكومة المرتبك والمربك.
بقي أن ننتظر حتى العاشر من تشرين الثاني المقبل، موعد تسلمنا لأراضي الباقورة، بمساحتها البالغة 820 دونمًا والتي احتلت في العام 1950، والغمر، بمساحتها 4235 دونمًا واحتلت في العام 1968.