البرنامج النووي الإيراني على صفيح الدبلوماسية "البارد" مؤقتا

إيمان الفارس

عمان - على صفيح "بارد"، تتسم المفاوضات الدبلوماسية حاليا بين الجانبين الأميركي والإيراني، برغم ما أعلنته الإدارة الأميركية مؤخرا، باتخاذ إيران خطوات لتوسيع نطاق برنامجها النووي، واستمرار طهران في تموضعها بالمنطقة، عبر زيادة تنويع أشكال الدعم بالنسبة لأذرعها السياسية.اضافة اعلان
الإدارة الأميركية، وبحسب ما أكده المبعوث الأميركي الخاص لشؤون إيران روبرت مالي في إيجاز صحفي، أجراه عبر الهاتف من واشنطن، شاركت به "الغد"، تسعى لتكثيف الدبلوماسية مع حلفائها وشركائها في المنطقة، لمواجهة الموقف الذي تتبناه إيران.
واتسقت تلك التأكيدات، وما اعتبره الخبير في الشأن الايراني د. نبيل العتوم، مع توظيف إيران لوجودها في سورية والعراق، بخاصة مع اقتراب الجولة السابعة من مفاوضات فيينا النووية.
وقال العتوم، إن إيران تسعى لاستثمار وجودها في سورية والعراق، بخاصة مع اقتراب المفاوض من الجولة السابعة من المفاوضات النووية، لتحقيق أهداف معينة، حيث تريد تنسيق شروط التفاوض مع الولايات المتحدة الأميركية، خدمة لبرنامجها النووي، بحسبه.
وأضاف العتوم، أن الأمر الثاني يتلخص في رفض الجانب الإيراني بشكل قاطع، فيما يتعلق بتوسيع إطار الاتفاق النووي وزيادة الضغط، وذلك عبر سياسة "حافة الهاوية" من خلال استغلال مدخل الأزمتين العراقية والسورية.
واعتبر خبير الدراسات الاستراتيجية أن وجود عدد من الهجمات التي قامت بها أذرع إيران في العراق ضد القواعد والمنشآت الأميركية والتي وصلت لإقليم كردستان العراق، رسالة واضحة، مفادها أن إيران ماضية في ما يسمى بـ"محاولة" الضغط على الولايات المتحدة الأميركية للانسحاب من العراق، وتأجيل هذا الانسحاب عبر تكثيف الضربات العسكرية، وصولا لدرء واشنطن عن استغلال الأراضي العراقية لمزيد من التدخل في الشأن الإيراني، حسب ادعاءات طهران.
وبالتالي، وجدت ذلك فرصة مناسبة على غرار انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، من خلال زيادة الضغط المؤدي لتحقيق المكاسب، وفق العتوم.
ما تخفيه الأيام المقبلة ليس ببعيد، والمشهد السياسي ما يزال قائما وفق سيناريوهين، كما ترى الإدارة الأميركية، محملة إيران مسؤولية اختيار الحل، إما سلمي من جهة والعودة لخطة العمل الشاملة المشتركة، وإما الاضطرار لاستخدام أدوات أخرى، سيتم تحديدها في حال لم تلق الدبلوماسية القبول المطلوب.
وبخصوص الموقف الإيراني، علّق العتوم، بأن طهران تحاول انتهاج سياسة فصل المسارات عبر الحديث مع الجانب الأوروبي والروسي والصيني فقط، فيما يتعلق بالعودة الى الاتفاق الذي تم إبرامه في العام 2015، معتبرا بأن الولايات المتحدة أحبطت ذلك، وسط رؤية غربية أيضا بضرورة تعديل هذا الاتفاق.
وقال إن الإيرانيين مارسوا سياسات التصعيد عبر عدة مسارات، أولها؛ نقل الملف النووي الإيراني من وزارة الخارجية الإيرانية للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، وثانيها؛ تعيين باقر الكمي، وهو المسؤول عن المفاوضات النووية المقبلة، ومعروف بأنها شخصية متشددة، وكان أحد أبرز الوجوه المفاوضة في مرحلة رئاسة سعيد جليلي، وهو الرئيس السابق للمفاوضات النووية الإيرانية، ورئيس وكالة الطاقة الذرية الإيرانية في وقت سابق، وبالتالي فإن تعيين هذه الشخصية، يفيد أن إيران ماضية في سياسة التشديد، بالإضافة لسياسات التصعيد الإيرانية غير المحسوبة.
وحذر خبير الدراسات الاستراتيجية، من أن القادم "ليس مبشرا بخير" ومتجها نحو التشديد والتصعيد، مستدلا على ذلك بأمثلة على سياسات التصعيد الإيرانية، كالتصعيد مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية عبر منع المفتشين من دخول المنشآت النووية من ناحية، حيث يشتبه بوجود أنشطة عسكرية نووية فيها، ومنع الحصول على الأفلام المتعلقة بكاميرات المراقبة، ورفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 60 %، وغيرها، وسط حضور المتغير الإسرائيلي وبقوة في هذا الأمر.
وفي سياق تحركات المفاوضات الأميركية الأخيرة، أعلن مالي أن مشاركة الإدارة الأميركية خلال جولاتها ومحادثاتها مع الأوروبيين، استهدف تقييم الوضع الراهن، ومناقشة ما ينبغي إجراؤه مستقبلا، مشيرا إلى أن المرحلة المقبلة، وخلال أسابيع، ستشهد مزيدا من الدبلوماسية المكثفة على هذا الصعيد.
وقال المبعوث الأميركي الخاص لشؤون إيران إن الشركاء في المنطقة أو أوروبا، شاركوا الإدارة الأميركية قلقا عميقا ومتزايدا بشأن وتيرة التقدم النووي الإيراني واتجاهه، لا سيما في الوقت الذي أوضحت فيه الولايات المتحدة استعدادها للعودة إلى الامتثال لخطة العمل الشاملة المشتركة واتخاذ كافة الخطوات اللازمة للعودة إلى الامتثال، مضيفا أن إيران استأنفت أنشطتها النووية بطرق تثير أسئلة خطيرة جدا بشأن نواياها.
وبين مالي أن كافة الجهات التي تم التحاور معها بهذا الخصوص، أكدت أن الحل يكمن في الدبلوماسية إلى أبعد حد، وجهود محاولة إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة، وإيجاد طرق لإشراك إيران اقتصاديا بما يتسق وإمكانية رفع العقوبات إذا حدث ذلك.
وأسفرت تلك المحادثات سواء تلك التي تمت مع دول مجلس التعاون الخليجي أو الدول الأوروبية الثلاث الرئيسة (فرنسا، ألمانسا، بريطانيا) والمشاركة في محادثات فيينا، عن تحديد سيناريوهين؛ أحدهما تكون فيه إيران والولايات المتحدة والأطراف الأخرى بين الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن +1 تأخذ مسؤولياتها على محمل الجد لإيجاد حلول للمسائل التي بقيت عالقة بعد الجولة السادسة من المحادثات في فيينا والتوصل لحلول عملية حتى تلتزم إيران بالقيود المفروضة على برنامجها النووي والتي وافقت عليها في فيينا في العام 2016، بحسب مالي.
كما أن هذا السيناريو يستلزم رفع الولايات المتحدة العقوبات الاقتصادية التي تتعارض مع الاتفاقية التي تم التوصل إليها في العام 2016، حيث سيتيح هذا المسار لدول المنطقة؛ تطوير علاقات اقتصادية أوثق مع إيران، وكذلك للدول الأوروبية، إلا أنه من الصعب تحقيقه في حال لم تعد إيران للامتثال لخطة العمل الشاملة المشتركة.
وقال المبعوث الأميركي لشؤون إيران إنه فيما يخص "السيناريو الثاني، وهو المسار الذي لم يأمل أي شخص تحدثنا معه أن يحصل"، أكدت الأطراف الحاجة للاستعداد له، ويكمن في اختيار إيران اتجاها مختلفا، وسط مواصلتها تأخير استئناف المحادثات أو تقديم مطالب تتجاوز معايير خطة العمل المشتركة الشاملة بشكل واضح.
وبين مالي أن هذا الخيار يزيد من القلق المتزايد إزاء توجه إيران لسلك هذا المسار، لذا يتوجب مناقشة النهج الخاص بنا تجاه هذا الواقع المختلف مع الشركاء والحلفاء، منوها لأن إيران هي من سيختار المسار الذي ترغب في سلوكه، وبالتالي فإن الأدوات الأخرى ستتحدد إذا اختارت إيران المسار الثاني وفي حال فشلت الدبلوماسية.
وألمح في هذا السياق لاستخدام تلك الأدوات لمنع إيران من الحصول على سلاح نووي، مع اكتفائه بالتشديد على هذا الالتزام، مؤكدا أن الولايات المتحدة تحت إدارة جو بايدن، متفقة مع الشركاء الأوروبيين وكذلك مع الشركاء في دول مجلس التعاون الخليجي والأعضاء الآخرين في مجموعة الدول دائمة العضوية +1 إلى حد كبير، لناحية العزم على استئناف المحادثات بسرعة بغرض العودة إلى الامتثال لخطة العمل الشاملة المشتركة، ولكن ليس استئناف المحادثات لمجرد استئنافها، إنما استئنافها من حيث توقفت في حزيران (يونيو) الماضي، في محاولة لسد الفجوات العالقة بسرعة وتنفيذ عودة متبادلة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة بطريقة واقعية.
وقال مالي إن اتخاذ خطوات أميركية مستقبلية ستكون استجابة لخطوات الجانب الإيراني، حيث ستكون نتيجة لأي تأخير في المحادثات وتسريع البرنامج النووي، وبالتالي ضرورة الحاجة للاستجابة لهذا الواقع، مشددا على أن توجه الجانب الأميركي يمضي نحو خطة العمل الشاملة التي من شأنها أن تمنح فرصة اقتصادية أكبر لإيران وشعورا أكبر بالأمن لكل من المنطقة والعالم.
وتعد المفاوضات غير المباشرة بين واشنطن وطهران، والتي بدأت في إبريل (نيسان) الماضي بفيينا، وشارك فيها أيضا الاتحاد الأوروبي والصين وروسيا، معلقة منذ انتخاب الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي في يونيو (حزيران) الماضي، حيث أجريت ست جولات من المفاوضات حتى الوقت الراهن وما بين فترة الشهرين المذكورين.
وكانت هذه المفاوضات بدأت في أبريل (نيسان) في فيينا، بين إيران من جهة وفرنسا وبريطانيا وروسيا والصين وألمانيا من جهة أخرى، وما تزال هذه الدول أعضاء في اتفاق العام 2015 حول برنامج إيران النووي.