ما فعله وزير العمل نضال البطاينة على برنامج “ستون دقيقة” تنقصه الفطنة والكياسة، وينم عن غياب لفهم دور الإعلام، والذي يحاول أن يطرح أسئلة الشارع، وتأمين إجابات موضوعية لها.
صحيح أن هناك بيانين صدرا؛ عن الوزير وعن المذيع، وفيهما “توضيحات”، إلا أن ذلك لا يمحي الصورة التي ظهر عليها الوزير خلال اللقاء، وهو يحاول التعالي على المذيع في التلفزيون الأردني الزميل حسن الكردي، من منطلق أنه يضع في خلده أن الكردي موظف حكومي، وأنه يستطيع أن يقمعه، بصفته وزيرا، كما جرت العادة في بلادنا التي يعمها الظلم واللاعدالة.
على السوشال ميديا، قرأت كثيرين ممن انتقدوا سلوك الوزير، كما قرأت من انتقدوا الزميل الكردي، قائلين إنه لم يحضر جيدا للقاء. لكن الأمر المهم، هو أن الكردي طرح أسئلة رائجة في الشارع الأردني، وهو قد لا يكون تبنى أي رأي، غير أن البطاينة انحاز إلى الاستعلاء والتنمر الذي مارسه على الموظف العام، والذي يبدو كأنما ينظر إليه على أنه لقمة سائغة، أو هكذا بدا بالنسبة للوزير ذي الوظيفة الذهبية.
الزملاء الذين تحدثوا عن عدم تحضير الكردي للمقابلة مع الوزير، ينسون ان التشكيك بأرقام التشغيل كان على الدوام محور جلسات صحفيين وإعلاميين، وليس ذلك فقط، فأرقام التشغيل كانت دائما محلا للتندر على مواقع التواصل الاجتماعي من مراقبين ومواطنين.
المسألة الأخرى المهمة، هي أن أرقام التشغيل المعلنة، والتي وصلت إلى عشرات الآلاف، لا يقابلها انخفاض في عدد المتعطلين عن العمل، ولا انخفضت نسب البطالة، بل على العكس من ذلك تماما، فهي ترتفع بوتيرة تصاعدية منذ مطلع العام.
الاستقواء على الإعلام لا يجوز، خصوصا من وزير في حكومة مأزومة لم تستطع أن تحقق أي اختراق اقتصادي منذ تشكيلها وحتى اليوم، ولم تستطع أن تعمل أي تحسين في حياة المواطن، لذلك، فالتواضع يبقى هو طوق النجاة المطلوب.
الزميل الكردي لم يخطئ، فقد طرح نبض الشارع، وكان المطلوب من الوزير أن يرد من دون تنمّر ولا استقواء، حتى لو كان الذي طرحه الكردي مخالفا للحقيقة والواقع.
وبما أن الشيء بالشيء يذكر، فتعالي البطاينة واستعلاؤه لم يظهرا فقط من خلال تعامله مع الزميل الكردي على التلفزيون الأردني أول من أمس، بل هو يمتد في طريقة عمله وتعاطيه مع الشأن العام وما يتصل به من أمور كثيرة. هي مرة واحدة التي جمعتني به في جلسة شبه خاصة مع مجموعة من الزملاء، وبحضور الناطق الإعلامي باسم وزارة العمل محمد الخطيب، قبل حوالي ثلاثة أشهر تقريبا. يومها تفوه بجملة في حق إحدى المؤسسات الوطنية، كاشفا عن طبيعة تعاطيه مع الآخرين، والتعالي الكبير الذي ينطلق منه بالتعامل معهم. تلك جملة كانت جديرة بأن تطيح به.
يومها، غادرت الجلسة الصغيرة تلك، وفي نفسي كثير من الغضب على هذا الوزير الذي لا يراعي الكياسة في حديثه، وفي ذهني أن أكتب عما تحدث به. ولا أدري لماذا، حينها، ضربت صفحا عن الموضوع، ولم أكتب شيئا.
خلال متابعتي للقائه على شاشة التلفزيون الأردني، مؤخرا، قفزت الحادثة إلى ذهني من جديد، فالوزير الذي جوبه بالتشكيك في أرقام التشغيل التي تعلنها وزارته تباعا، أراد أن يدافع عن نفسه وعن منجزه من خلال مهاجمة الإعلام، لا أن يتواضع قليلا، ويتعامل بهدوء مع تشكيكات تملأ الشارع الأردني بجميع فئاته، وقبل ذلك أن يتعامل ببعض الاحترام مع الإعلام الذي يتيح له فرصة الظهور لعرض “منجزاته” والدفاع عنها!