البكري: نعيش حالة من الفوضى الإبداعية.. والمثقفون فقدوا دورهم في المجتمع

البكري: نعيش حالة من الفوضى الإبداعية.. والمثقفون فقدوا دورهم في المجتمع
البكري: نعيش حالة من الفوضى الإبداعية.. والمثقفون فقدوا دورهم في المجتمع

شاعرة مصرية تهتز وتبكي وتصاب بالإغماء حينما تكتب قصيدة

حاورها في القاهرة: علي المومني
 
   ولدت الشاعرة إيمان البكري في القاهرة عام 1955, و تخرجت في كلية دار العلوم سنة 78 ,  وتعلقت باللغة العربية منذ صغرها حيث بدأت بكتابة الشعر, وقد عملت بعد تخرجها  بوزارة التربية والتعليم , ثم انتقلت إلى وزارة الثقافة وهي الآن مستشارة أدبية بمجلة المسرح التابعة للهيئة المصرية العامة للكتاب , وقد أصدرت أول دواوينها " العزف على أوتار القلب " سنة 89  وكان غنائياً حيث كان يرعاها الشاعر أحمد رامي الذي تعرفت عليه سنة 74 فأهدت الديوان إلى روحه , وكتبت بالفصحى والعامية, كما أصدرت عام  1990 ديوان " ومضات قلب يحترق" وكان بالفصحى ثم صدر لها ديوان " امرأة في سجل الزمان " 93 و" عجايب يا زمن " (عامية ) ثم " الليل وخصلات الشمس " 95 ,و" المصححاتي "  ،  " أعلنت العصيان عليك " 97 وسنة  " قصر الكلام " 98 (عامية) ، "ذاكرة الأنامل " 99 ،ثم  صدرت لها مختارات من شعر الفصحى عن الهيئة العامة للكتاب ، و الجزء الأول من أعمالها الكاملة بالفصحى سنة 2000 ، و " صلاة لعينيك " عن دار قباء ، هنا حوار مع الشاعرة لنتعرف على هواجسها الإبداعية ورؤاها الخاصة في الأدب والحياة :

اضافة اعلان


* كيف كانت البدايات الأدبية والشعرية وبمن تأثرت من الكتاب والشعراء ؟

 
-  لا أعتقد أن هناك مبدعاً يتذكر متى بدأ إبداعه الأدبي, فأنا أتصور أن مولد الموهبة الأدبية بدأت منذ أعلنت صرخة تمردي التي عانقت كل ما هو حولي وأعلنت عصياني علي كل ما هو ثلجي جامد فكانت كلماتي الأولى التي صبت في عالم الكلم حتى أصبح لها كيان ووجود صقلتها تجارب الحياة وجرحتها أيدي الواقع ولكنها استطاعت أن تصمد أمام كل الرياح لتواصل الانطلاق وبالتأكيد تأثرت بالكثيرين أمثال أحمد رامي في بدايتي والذي تتلمذت علي يديه ثم عشقت إبراهيم ناجي وشربت أسفار نزار وتجرعت من كأس علي محمود طه أحلى وأرق الكلمات ولكني أعلنت كالعادة عن صوت جديد له صفات ومميزات وخصال مختلفة حتى أستطيع أن يكون لي بصمة في عالم الإبداع الشعري .


*  ما رأيك بالمشهد الثقافي العربي  وهل هناك تجاوب بين المبدع والجمهور ؟
-  نحن نعيش في عالم من الفوضى الإبداعية وفي غابة من الإبداع فهناك أصوات بريه لا تعلم من أين أتت ومن أين هبطت عليك ,وهناك أصوات لها جذور إبداعية تلقي ظلالها على كل ما حولها لتعيد وتجدد وتحاور وتحض العقل على التفكير والمشهد الثقافي العربي في حالة يُرثي لها فهو دائماُ ، وكما تعودنا أن الشعر مرآة  تعكس صورة الجمهور , فإذا كان الجمهور يحيا في الفوضى والسلبية واللاوعي  أيضاً ممثلو المسرح الشعري والنثري يعيشون نفس الفوضي واللاوعي ,لقد أصبح الإبداع الأدبي متوحشاً يهاجم ولا يضمد ونأى  أكثرهم من القضايا المتعلقة بالحياة والتي تحطم حياة الأفراد والمجتمعات الفنية والأدبية ففقد المجتمع الثقافي تأثيره على المجتمع ولم يكون رأياً موحداً بمعنى أن الاختلاف في الآراء الأدبية والإبداع يفجر قضايا هامة ونكتشف اصواتاً تستحق أن تقف عندها , ولا بد أن يكون لدينا استراتيجية ثقافية مدروسة لكي تستطيع أن تحدد هذا المشهد الثقافي,  واعتقد أن حركة النقد كان لها دور في قطع خيوط التواصل ما بين المبدع والمتلقي فافتقد المتلقي القدرة على التذوق وأصيب المثقفون بكآبة إبداعية جعلتهم يكتبون بأنفسهم , ولكي يستطيع المبدع أن يحيا فلابد أن يتنفس إبداعاً .


* ما هي القضية التي تعبرين عنها في شعرك , وما الذي يشغلك أثناء كتابة القصيدة ؟


-  هنالك قضايا كثيرة لا أستطيع أن أفرضها على الإبداع ,هو الذي يفرض قضاياه ولكن أستطيع أن أقول أنني كائن شعري يتنفس الشعر ويحيا بالشعر , ويتراقص مع إبداعه ليجعل الكون كله يتراقص على أشعاري وأن يكون إبداعي ممتزجاً روحاً وعقلاً وفكراً مع كل ما حولي , لأنه في رأيي أن الإبداع ليس ترفاً ورفاهية ولكنه جرح نحمله في حنايانا , نحوله بسمة علي الشفاه تارة ودمعه في العيون تارة أخرى .


وحينما أمسك بالقلم أكون في حالة بين الوعي واللاوعي وأكون في حالة معاناة ولا أستطيع وصفها , ولكن ببساطة ما يشغلني هو ترجمة خفقات القلب ونبضات العروق وجنون الفكرة لكي اكتب قصيدة مجنونة في عالم مجنون هو عالم الشعر والكلمة  .


أفرح وأصفق كطفلة تلهو إذا ما استطعت أكون صورة نادرة وأبكي لكي استنزف معنى الكلمة وأصوغها في عبارة تهز كياني وإذا لم يهتز كياني ولم تدمع عيني فإنني أعتبر أن القصيدة فاشلة .


* من الملاحظ أن الشعر العامي يتجاور عند الكثير من الشعراء المصريين مع قصائدهم الفصيحة فلم هذه الظاهرة ؟


-  منذ بداية الإبداع ظهر شعر الفصحى بعمالقته المعروفين وعمالقته في فن الشعر العامي والزجل حتى أن شعر العامية كان له سحره الخاص فنراه في بعض الأحيان قد داعب خيال أمير الشعراء أحمد شوقي وكتب العامية لكنه ظل متميزاً في الفصحى والشاعر أحمد رامي كتب بالعامية لكنه كان شاعراً قبل ذلك مصاحباً لكبار الشعراء ومثل شوقي وعلي محمود طه وناجي لكنه ظل متميزاً في شعر الأغنية العامية ,  اعتقد أن علينا أن نستمتع بكل الألوان الشعرية الإبداعية ولا نتوقف كثيراً أمام لماذا؟ لأن الأصح أن نثري الحياة الأدبية لتنهض بذوق ووعي هذه الأمة . واعتقد أن كثيراً من الشعراء الذين يكتبون شتى أنواع الشعر متحايلين على جمهور الشعر مستغلين جاذبية هذا اللون .


لكن معظمهم يفشلون لأن الشعر هو الصدق الفني الذي لا يعرف تزييفاً ولا نفاقاً فليس كل من يكتب الشعر الوطني يصل للجمهور أو إلى المعنى .

 

 وأهم شيء في الشعر هو أن تمتزج بالشعر الفني وتعبر عن  صاحبه .

 وقد أصبح بعض الشعراء عالة على الشعر العامي فجردوه من فطرته وبساطته وعمقه.


-  ما رأيك بقصيدة التفعيلة , خاصة أن هناك بعض النقاد لا يعترفون بها ويقدسون القصيدة العمودية ؟


- أنا لا أعرف بقوالب وأشكال أدبية معينة فأنا انحاز إلى القصيدة التي تحركني وتستفزني وأقف أمامها في دهشة انتقل إلى عالمها اتلمسه في انبهار واشمه في نشوة ابداعية , أجد فيها نفسي على حافة اللاوعي ثم أرتد إلى وعيي لأكتب وأصدق على براعتها بصرف النظر عن كونها عمودية أو تفعيلة أو نثر فدعنا من هذا الهراء والأفكار المصدرة والمستوردة لنا,  لنزيد من الهوة التي بيننا فلا فرق بين قصيدة وأخرى فكلنا ننتمي إلى عالم الكلمة من خلال استيعاب قبيلة الشعر التي ما زالت تحتفظ بخصال القبلية التي نريد أن نتخلص منها من خلال إبداع الآخرين محاولين وهذا الأهم ـ أن تمتزج بعالم الثقافة العالمية , لأننا أصبحنا بالفعل مبعدين عن الحركة العالمية والنقدية والأدبية ، وأصبحنا نجتر بعض القضايا التي عفا عليها الزمن وما زلنا ندور في فلك الحداثة وما بعد الحداثة وأنا أقول : هناك إبداع أو لا إبداع  فقط . 


*  أشعارك تنوعت بين الشعر العامي  وشعر الفصحى ، فأي نوع تفضلين في كتاباتك؟


-  لقد منحني الله موهبة الكلمة النابضة بالحياة, وأنا بطبعي أمتلك روح التمرد والتحرر والتحدي فأردت من خلال أشعاري أن أعبر عن كل ما يحيط بي من القضايا والتي تحيط بعالمنا أيضا , فهناك قضايا أتناولها بالفصحى وقضايا بالعامية وهي التي تفرض نفسها على إبداعي فأنا ربما أكتب قصيدتين مختلفتين كلية في آن واحد فكما يقول عني زملائي الشعراء فإن لكل واحد منا له شيطان واحد من الشعر أما إيمان بكري فلها شياطين في عالمها الإبداعي.


لكني أصدقك القول حينما أكتب بالفصحى تتملكني حالة إبداعية مزاجية تصل إلى مرحلة المعاناة فأشعر كأنني أكتب بشرايين جسدي وأتصبب عرقاً محموماً وأنفصل عن عالمي لأحيا في عالم القصيدة التي أكتبها ، تهبط علي المعاني والصور التي تجعلني في حالة من الهلع والجنون وأصاب في حالة من الإعياء تضطرني إلى النوم لعدة أيام أما العامية فأكتبها وكأنني أتجرع كوباً من الماء ، وتظهر فى شعر العامية دائماً روح المداعبة والسخرية التي تصل إلى حد الملهاة فأنا أحيا بالفصحى والعامية وأنطلق في عالم الإبداع بجناحين فكيف يستطيع طائر أن يحلق بجناح واحد ؟!


-  لماذا لم يبرز اسم ثان في عالم الشعر منذ نازك الملائكة ليفرض نفسه على المشهد الثقافي العربي ؟


 
-  المشهد الثقافي كما قلت مصاب بالفوضى والغوغائية ويعكس حالات مرضية نفسية يمر بها الشعراء نظراً للظروف التي تحيط بالكلمة والمشهد الثقافي ككل .

 فقل لي بربك كيف ونحن في عالم أصبحت الصورة المتحركة هي التي تحمل أعلام المعرفة ،  والصورة المرئية أصبحت هي التي تحمل كل شيء فكيف تبرز الأصوات الجادة المثقفة التي تحمل قيماً أخلاقية وأدبية ونحن محاطون بصاحبات الرايات الحمر اللائي اقتحمن منازلنا وعقول أبنائنا فرسمن بأجسادهن صورة منحطة للمرأة العربية التي حملت سيفها يوماً وقلمها لتدافع عن قضية وتستشهد في سبيل الحرية فأين نحن وكيف نعيش وهذه مأساة جيل بأكمله يكتب بمعايير مختلفة ويكتب بأقلام قصفت من قبل أن يبدأوا الحبو في عالم الإبداع فتسيد فينا أنصاف المبدعين والمبدعات وأصبحت المعايير مختلفة والمقاييس الإبداعية تختلف باختلاف صاحبتها.


* بصفتك مديرة جديدة للنشر في الهيئة المصرية العامة للكتاب، ما هي مخططاتك وطموحكاتك للفترة المقبلة؟


- لنتفق أولاً على أن الكتاب يمر بأزمة حقيقية تعود إلى تكلفته في الطبعة والفنية الإخراجية من جانب ثم لم يعد هناك من يقرأ ,  وكما قلت سابقاً فإن الصورة المرئية أصبحت هي المعلم الأول في هذا العصر. وأنا أحلم بأن أقوم بتحديث آلية النشر وربط عملية النشر بالتقدم التكنولوجي المتعلق بالاتصالات الحديثة وأتمنى أن أجد مشروعاً يحول الكتاب إلى صورة مرئية وكما أحلم بإعادة ذخائر الأدب والعلوم والفكر وأن أفسح مجالات أوسع لجميع الترجمات المختلفة من وإلى العربية ، والاهتمام بنشر بالرسائل العلمية لأن الذي يكتب هذه الرسائل هم متخصصون وهم أعلام البحث العلمي ونحن نحتاج في عملية النشر إلى تنظيم وإدارة وتحديث لنعيد للكتاب وجهه المشرق وأن نفسح لجميع الاتجاهات حرية الرأي والحوار وأن  يكون هناك حلقات نقاش على أعلى مستوى إعلامي لنشر الأفكار والعلوم التي تنير حياة الشعوب وتعمل على اقتحام المستقبل بفكر علمي واعٍ يقتحم حياة الشعوب لنعيد صناعة الوجدان والفكر منطلقين من جذورنا المستنيرة وننقي  ثقافتنا من جميع الشوائب والتحفظ والغموض الذي يدمر العقلية الثقافية فنخلق بذلك فكراً وعقلاً قادرين على التحرر والحوار والتغيير ، ولا ننكر دور الهيئة المصرية العامة للكتاب في إثراء الحياة الثقافية بمشروع مكتبة الأسرة وهناك في إدارة النشر فرص كثيرة لكبار المبدعين والمبدعين الشباب وللتراث والأبحاث وجميع النشاطات المختلفة.


* ما رأيك في علاقة المثقف بالسلطة ؟ وهل يتغير أداء المثقف أو المبدع إذا ارتمى في أحضان السلطة وتقلد منصباً ما ؟


- المبدع لابد أن تتوافر فيه أهم صفة في الإبداع وهي الصدق مع الذات والمصداقية مع الآخرين،ومن خلال إبداعه يرسم ملامح أمة وجيل ، فإذا أخضع إبداعه وأهتز قلمه بين يديه أصبح في أرض جرداء غريبا عن نفسه ومنفصلاً عن مجتمع ويغيب في غياهب النسيان ,ولم تخلق سلطة شاعراً أو أديباً ,ويمكن أن يكون الأديب مسيساً لخدمة أهداف بعينها تخدم السلطة ، وهنا يخطو المبدع أول درجات الهبوط ولكن هذا لا يعني أن يكون المبدع ثائراً مدمراً لكل ما حوله ، فلا بد أن يكون الحب هو المحرك الأساسي والفعلي لإصلاح فكر وإصلاح وتهذيب العقل وهدهدة المشاعر والقلوب. نصلح ونحن نحب بلدنا ونخاف عليها ولكي نتيه إلى براكين تحاصرها وننبه ونوقظ ونصر فى صرخة الإبداع التي تستقر في وجدان الأمة . ولا أحب الإنسان المتلون الذي يزيف مشاعره وفكره تحت أي ظرف من الظروف , ألم تدر أن الشاعر هو ملك يبعثه الله لكي يحيي الآمال والحب على الأرض وألم ترّ أن السماء تزغرد فرحاً بمولد مبدع وشاعر حقيقي والشاعر من الشعور فإذا زيف الشعور فإنه لا يبقى شاعر ولا شعر .


* ما طموحاتك المستقبلية في الشعر وهل هناك من أفق شعري جديد تنوين طرحه قريباً ؟


-طموحاتى ليس لها حدود فبالشعر اخترق كل الحواجز والأفكار وأجوب في كل أرجاء الفكر والعقل المزج مع الطبيعة و أحيا للحياة وأنقش على جبين الوطن عباءة من الطهر والقدسية أريد أن يكون شعري على كل لسان عربي وأن تتغير الأجواء الثقافية لتتيح الفرصة لكل مبدع حقيقي ، وأن يعطر الحب نفوس المبدعين وينقيها من الأحقاد والضغائن التي تفسد عالم الشعر والشعراء وفى عقلي أفكار كبيرة ومن خلال عملي كمدير عام للنشر في أكبر مؤسسة ثقافية في مصر أحاول أن أكون يداً تبنى وتساعد وتناول لا يدا تسطو وتعبث وتدمر كما أنني أحلم بكتابة مسرحية شعرية تصدر وتعبر بصدق عن واقعنا العربي والمتغيرات التى تحيط بنا من كل جانب وأحلم بأن أرى كتاباً فى يد كل قارئ عربي يناقشه ويحاور من أبدعه أحلم بالحلم .. فهل يتحقق !!!


* كاتب أردني مقيم في القاهرة