البلديات والإدارة المحلية.. تقاطع الديمقراطية مع التنمية

بعد نقاش على طريقة الومضة، ساخنة وسريعة، في مجلس النواب الأردني حول انتخاب أمين عمان، قدم الدكتور نوفان العجارمة تأصيلا فقهيا في نطاق الإدارة المحلية ليطلق بدوره مجموعة من الأسئلة تعيدنا إلى معاينة الديمقراطية التي نريدها، وللحقيقة، فإن هذه المطالعة المستفيضة وعلى ما حملته من مصطلحات قانونية أعادت التفكير أساساً في منظومة البلديات واللامركزية بأكملها، وبما يشجع على مقاربة بعيدة عن أسئلة الديمقراطية والمشاركة، فالأمر يجب أن يتعلق أيضاً بالتنمية، خاصة أن الشكوى المستفيضة أتت في السنوات السابقة من بوابة التنمية العرجاء والغبن الذي تستشعره المحافظات المختلفة، والتي يمكن النظر لها كمجموعة من البلديات والإدارات المحلية، من حصتها التنموية الضئيلة.اضافة اعلان
دائماً ما نغفل التقييم الواضح، لأننا لا نمتلك المعلومات الكافية من ناحية، ولأننا بطبيعتنا متحيزون لأفكار مسبقة، ومع متابعة مختلف الآراء حول انتخاب الأمين أو تعيينه كان السؤال الذي يحاول الخروج برأسه هو المقارنة بين أمانة عمان ونتائج أعمالها، والبلديات الأخرى في المملكة، أي النموذجين كان أكثر نجاحاً في التطبيق خلال العقود الأخيرة؟
نود أن نرى حكومات منتخبة خلال عشرة أعوام، وسنعايش حكومات متعثرة لبعض الوقت، ربما عشر سنوات أخرى، وهذه هي الديمقراطية في مواجهة التحديات، والدول الديمقراطية الحقيقية تدفع ثمن ذلك بكامل الرضا لأن نتائجه هي الأفضل في المدى البعيد، وهذه الحكومات ليس عليها أن تعرف المشكلات أو تشخصها، فثمة كثير من المراكز والشخصيات الناشطة تمتلك تشخصيات من مختلف الزوايا، وعلى الحكومة المنتخبة أن تحدد الأولويات وأن تفاضل بين البدائل تحت ضغط التكلفة المتوقعة لكل بديل، ولأن الحكومة المنتخبة خاضعة لاستحقاق انتخابي كل أربع أو خمس سنوات، فالانصياع للشعبوية وأخطائها وارد جداً إلى أن يراجع الشعبويون خياراتهم، فمثلاً يعرف رب الأسرة أن مطالبته بزيادة متصلة في دخله من شأنها أن تؤثر على فرصة عمل أبنائه مستقبلاً، وبعد التجربة سيقدم تنازلاته، وهكذا يعمل التداول الديمقراطي.
تحتضن العاصمة عمان 40 % من سكان المملكة، وهناك تنوع شديد بين سكانها على مستوى الدخل وأنماط الحياة، ففي عمان الغربية ثمة مناطق تعيش شروطاً سويسرية، وفي الشرقية نماذج عشوائية تحتاج معالجة عاجلة، ولا يمكن إلا العمل على المحافظة على جانب المدينة الغربي المرتبط بالسياحة وتوطن الاستثمارات التجارية، والعمل على تحسين الجانب الشرقي الذي يعاني من تدني مستوى الخدمات، والديمقراطية ليست هي الأداة المناسبة في هذه المرحلة، على الأقل ديمقراطية السكان الذين سينشغلون بمكتسبات يمكن أن تنحاز بصورة صريحة لأحد الجانبين.
والسؤال هو حول كيفية ممارسة الديمقراطية في الحكم المحلي في عمان وفي غيرها، فهل نريد ديمقراطية على مستوى الدولة ممثلة في حكومة منتخبة، وديمقراطية أخرى قد تكون معطلة على مستوى الوحدات اللامركزية؟ أم أن الوحدات اللامركزية يجب أن تعمل تحت توجيه الديمقراطية الأوسع الممثلة في حكومة نيابية تستطيع أن تضطلع بمتطلبات التنمية بمسؤولية؟
البلديات تحتاج إلى تكنوقراطيين حقيقيين يستطيعون التعامل مع التفاصيل، وإلى سياسيين يمكنهم استيعاب المجتمع المحلي وبناء التوافق، ويجب على مسعانا الديمقراطي ألا يهمل أن السياسيين لا يمكنهم أن يفعلوا شيئاً بمفردهم فالشعبوية ليست أداة مناسبة للمواجهة المسؤولية، وأن يركز على خروج التكنوقراطيين من أبراجهم العاجية ليشتبكوا من البيئة السياسية ويتعرفوا على كيفية إحداث التغيير في بيئة ليست مثالية ولا يمكن أن تخضع بكل تعقيداتها وسيولتها إلى بساطة وبهرجة العروض التقديمية (البريزنتيشن).