البنك الدولي: انتقاد من الداخل

ترجمة: ينال أبو زينة

واشنطن - لم يكن الغضب ليكون أشد لو أن الناشطين في مناهضة الرأسمالية احتلوا مساحة واسعة من المقر الرئيسي للبنك الدولي في واشنطن، العاصمة. ومع ذلك، كان المحتجون الذين قاموا بذلك الشهر الماضي هم موظفو البنك أنفسهم.اضافة اعلان
لقد تحولت النوايا الحسنة التي رحبت بخطط بجيم يونغ كيم، رئيس البنك الدولي منذ العام 2012، للتحديث إلى سخط في نهاية المطاف.
كان كيم قد شدد على الحاجة الملحة إلى الإصلاح منذ اللحظة الأولى لتوليه مهامه كرئيس للبنك. ورأى كيم، بمنطق صائب، أن على البنك مزاولة أنشطته بشكل مختلف حتى يبقى مهماً في عالم لا يعاني نقصاً في الأمرين اللذين كفلا استمرار أعماله من حكومات الدول الأفقر: رأس المال الرخيص والخبرة الاقتصادية.
في شهر تموز (يوليو) الماضي، بدأ البنك الدولي بتنفيذ هيكلية جديدة قامت بتحويل السلطة والمال من المدراء التنفيذيين المحليين والإقليميين إلى 14 "ممارسة عالمية" ذات ثيمة مركزية (من مياه وصحة، إلخ..). وفي 30 تشرين الأول (أكتوبر)، أعلن البنك عن نوايا تسريح 500 موظف خلال السنوات الثلاث القادمة.
سواءً أكانت هذه التغيرات مناسبةً أم لا، فهي لم تنفذ على نسق صحيح. يشكو موظفو الدول التي يمارس فيها البنك أعماله –الذين اتهموا ببحثهم عن فرص إقراض جديدة- أن ميزانياتهم اختفت بينما يركز قادة الممارسات العالمية أكثر على نيل إعجاب كيم من مساعدة المقترضين. وعلى الرغم من أن عمليات الإقراض لا تزال قوية، يقال أن الصفقات المستقبلية ستكون أضعف حالاً.
وفي الوقت نفسه، كان البنك بطيئاً في التعرف على جزء كبير من مبلغ الـ400 مليون دولار المنخفضة في الإنفاق السنوي التي يقول كيم بأنها في غاية الأهمية، وذلك بالإضافة إلى الشعور بانعدام الأمان في الوقت الذي يتساءل فيه فريق عمل البنك عن ماهية الدور، إن وجد، الذي سيلعبونه في هيكلية البنك المركزية الجديدة. وتأتي جميع الوظائف التي فقدها كادر العمل، المعلن عنها حتى الآن، مباشرة من الإدارة المركزية. لذلك فبدلاً من انتظار الحلول الواقعية، بدأ العديد من الموظفين فعلياً بتلميع سيرهم الذاتية.
بين كادر موظفي البنك القوي الذي يبلغ عددهم 16.000 موظف، ما يزال كيم – خبير الرعاية الصحية والرئيس السابق لكلية "دارتموث"، يُشاهد بشكل متزايد على أنه دخيل لا يدرك جيداً المؤسسة التي يديرها. وقد قام بتعيين غرباء في العديد من الوظائف الرفيعة، كما وجلب خبراء استشاريين من "ماكينزي" و"شركة بوز ألن هاملتون".
أصبح برتراند بادري، المسؤول المالي الذي أتى به كيم من بنك "سوسيتي جينرال" الفرنسي للعمل في البنك الدولي، هدفاً للهجوم خلال اجتماع عقد الشهر الماضي بغية استرضاء الموظفين الهائجين، بعد أن تبين أنه قد مُنح مكافأة خاصة بلغ حجمها 94.750  دولار على راتبه المعفى أساساً من الضرائب والذي يبلغ 379.000 دولار. وفي هذا الصدد، تخلى بادري عن مكافأته.
نادراً ما يكون التغيير التنظيمي على هذا المقياس غير مؤلمٍ، كما وكانت إصلاحات البنك السابقة عاصفة هي الأخرى. ويبدو أن كيم اعتبر استقرار الأمور في الوقت الذي تطبق فيه الإصلاحات في مكانها أمراً مفروغاً منه. حيث نفى شكاوى الموظفين في مقابلة معه حدثت في وقت سابق من العام الحالي، قائلاً: "هناك تذمر حول مواقف للسيارات وحول الإفطار". ويدعي أنصاره، بصورة غير معقولة، أن أساس التحريض على هذه الاضطرابات يقع إلى حد كبير على عاتق مسؤول ناقم متوسط المستوى يسمى فابريك هودارت. ومع ذلك، يتزايد الإحباط الذي يشعر به حتى الموالون حيال عجز كيم عن التركيز على إصلاحاته.
وُصف نشاط كيم المفرط الحالي حول أزمة الإيبولا، التي ربحت له الأفضلية في المقارنة مع مارغاريت تشان-رئيسة منظمة الصحة العالمية- إعلامياً، بشكل خاص على أنه إلهاء آخر من قبل أحد مساعديه: "تمثل الأمر في العام الماضي بالسيد (التغير المناخي)، أما الآن فهو السيد (إيبولا)".
اعتمد كيم، منذ احتجاجات شهر تشرين الأول (أكتوبر) من العام، نبرة مصالحة في تحدثه لموظفيه، ووعوداً تتبلور حول تحسين الاتصال الداخلي ووضع نهاية سريعة لحالة عدم اليقين التي تجوب أجواء الوظائف. حيث أقر بأن: "تفاصيل الميزانيات لم تخضع للتصفية في بعض المكاتب القطرية، وبالتالي لم تتفهم طواقمها أدوارها الجديدة".
مع ذلك، فهو لا يتزعزع عن اعتقاده بأن إصلاحاته ستمكن البنك من الاستمرار كمؤسسة التمويل والتنمية الرائدة في العالم. كما ولا يزال فخوراً بتفاوضه حول زيادة الحدود القصوى للكم الذي يستطيع البنك الدولي إقراضه للدول متوسطة الدخل سريعة التنامي مثل الصين والهند، التي ساعدت حالة الإحباط التي عاشتها في ظل الترتيبات السابقة في خلق بنك التنمية التابع لمجموعة "بريكس" في البرازيل وروسيا والهند والصين، بالإضافة إلى جنوب أفريقيا أيضاً.
ينفي كيم أن الممارسات الـ14 الجديدة ستجعل البنك حتى أكثر بيروقراطية، وفقاً لما يجادل به منتقديه. بل يقول أنها ستمكن البنك، بدلاً من ذلك، من استغلال شبكة خبراته حول العالم بشكل أكثر سرعة وكفاءة، ما سيجعله ذو قيمة أكبر بالنسبة إلى العملاء بالمقارنة مع منافسيه الذين يوفرون رأس المال أو الخدمات الاستشارية فقط.
"الإيكونومست"