التأمين التكافلي

د. غسان الطالب *

مع التطور المدهش للصناعة المصرفية الإسلامية في السنوات الأخيرة وسرعة انتشارها في العديد من دول العالم، ورغم التحريض الذي يتعرض له الإسلام والهجمة الفكرية المنظمة التي تعرضت لها هذه الصناعة، فقد شاهدنا نموا لصناعة التأمين الإسلامي مرافقا للصناعة المصرفية الإسلامية، واستطاعت أن تحقق مكاسب في أسواق التأمين جعل منها منافسا حقيقيا لصناعة التأمين التقليدية التي هيمنت على أسواق التأمين المحلية والدولية، واستحوذت على هذه الصناعة شركات كبرى في الدول الصناعية الكبرى في الولايات المتحدة وأوروبا بما في ذلك إعادة التأمين والتي امتدت بنشاطاتها وإعادة التأمين الى بقية دول العالم، فأتت صناعة التأمين الإسلامية لتلبي رغبات العديد من أفراد المجتمعات الإسلامية الباحثين عن عقود تأمين تنسجم مع أحكام الشريعة الإسلامية على مبدأ التكافل، وتحقق رغباتهم في الابتعاد عن العقود كافة التي تبرم بناء على أسعار اضافة اعلان
الفائدة.
فالتأمين في اللغة يعني الأمن ضد الخوف، ويشتق من هذا المعنى القول أمن وأمانا وأمانة.
والأمانة هي الشيء الذي يستوجب الوفاء، أما التكافل فهو يعني الضمان والتعاون والمقصود هنا تعاون مجموعة من الناس على مواجهة خطر ما من خلال تضحية رمزية يتحملها الجميع.
ويقصد بالجميع مجموعة من الناس تمثل هيئة المشتركين الذين يتعرضون للخطر أو أي منهم، وبالتالي يتعاون الجميع في تعويض الضرر الذي يلحق بأحدهم.
ويأتي دور شركة التأمين التكافلي في إدارة عمليات التأمين واستثمار أمواله بالإنابة عن مجموع المشتركين مقابل عائد تحصل عليه هذه الشركات متفق عليه من عائد الاستثمار المتحقق على مبدأ المضاربة أو على مبدأ الوكالة إذا كان مبلغ العائد محدداً مسبقا.
إذن عقد التأمين التكافلي هو عقد اختياري لمن يرغب أن يكون أحد أعضاء هيئة المشتركين، وبالتالي يترتب عليه في حال التزامه مع هذه الهيئة دفع مبلغ يحدد بناء على قيمة الشيء المؤمن عليه.
قد نسمع أحيانا مسميات تطلق على هذا النوع من التأمين مثل التكافلي، التأمين التعاوني والتأمين التبادلي وجميعها تؤدي المعنى نفسه كون جميع الداخلين في هذا التأمين يتعاونون ويتبادلون فيما بينهم تحمل الأضرار أو الخسائر التي قد تلحق بأحدهم.
وذكر ابن خلدون أن العرب عرفوا التأمين التكافلي قبل الاسلام؛ إذ حدثنا القرآن الكريم عن رحلة الشتاء والصيف والقوافل التي تسافر من أجل التجارة ومبادلة البضائع. وكان أعضاء هذه القوافل يتعاونون فيما بينهم إذا تعرض أحدهم لخسارة أو كساد لبضاعة، واليوم فإن سوق التأمين الإسلامي بكل مسمياته السابقة يواصل نموه في العديد من البلدان الإسلامية، وخاصة في السعودية والتي يعد قطاع التأمين أحد أهم مكونات قطاع الخدمات المالية والأكثر نمواً، وخاصة بعد صدور نظام مراقبة شركات التأمين التعاوني، ثم يلي ذلك دول الخليج العربي والسودان والأردن وماليزيا.
وأدت سلامة موقف المؤسسات المالية الإسلامية أمام تحديات الأزمة المالية العالمية الى التفات العديد من الدول الغربية الى هذا النوع من التأمين، لهذا فإننا نرى أن سوق التأمين التكافلي مرشح للنمو في السنوات المقبلة وبشكل سريع وسوف يستحوذ على حصة مهمة في التأمين العالمي، خاصة بعد النمو الاقتصادي الذي تحقق في بعض البلدان الإسلامية منها السعودية وماليزيا، إضافة الى زيادة الطلب على منتجات التأمين الإسلامي، ويترافق ذلك مع النمو والانتشار للمؤسسات المالية والمصرفية
الإسلامية.
ورغم وجود تحديات عدة ومنها تحديات جدية وحقيقية تواجه هذا القطاع وتهدد نموه، إلا أن سلامة الأساس والمتمثل بالتزامه بأحكام الشريعة الاسلامية يمثل الضمانة لاستمرار نموه مع إيماننا المطلق بضرورة الأخذ بعين الاعتبار لبعض العوامل التي من شأنها أن تسهم في نمو هذا القطاع؛ مثل:
- الاهتمام بتأهيل العاملين في هذا القطاع بالجانب المصرفي والجانب الشرعي.
- العمل وبكل جدية مع الجهات التشريعية لإعادة صياغة القوانين والتشريعات بشكل ينسجم مع فلسفة هذا القطاع الإسلامية وتمكينها من تأدية دورها بكل كفاءة.
- العمل كذلك على نشر ثقافة التأمين التكافلي بكل الوسائل المتاحة لكسب المزيد من المشتركين، وبالتالي زيادة الحصة في سوق التأمين محلياً ودولياً.
- الاستمرار في البحوث والدراسات التي من شأنها أن تطور عمل هذا القطاع وتنويع أدواته.

* باحث ومتخصص في التمويل الإسلامي