التحديات أمام "الماليّة"

في لقاء مصغر ضمن التعليمات الرسميّة للتجمعات نظم منتدى الاستراتيجيّات الأردنيّ لقاءً مهماً مع وزير الماليّة الدكتور محمد العسعس بحضور إعلاميين مختصين بالشأن الاقتصاديّ وعدد من رجال الأعمال والمسؤولين لمناقشة تطورات الماليّة العامة وآخر المستجدات التي تدور حولها. الوزير العسعس استعرض بدقائق معدودة كيفية إدارة الماليّة العامة في ظل جائحة كورونا، واستمرار الحكومة بالوفاء بكامل التزاماتها الداخليّة والخارجيّة دون انقطاع او تردد. هذه السياسة الحكوميّة وإن كانت حمّلت الخزينة أعباءً ماليّة جديدة ممثلة بتضاعف العجز ونموّ المديونيّة، إلا انه بعث رسالة إيجابية للعالم بأن الاردن دولة قوية وثابتة في مواجهة الصعاب المختلفة الناتجة عن كورونا، مما زاد ثقة المجتمع الدوليّ بالنموذج الأردنيّ في إدارة الأزمة، فالدولة المثقلة اقتصاديّاً اعطت الأولوية لصحة المواطن على أي جانب اقتصاديّ، مما جعل العالم يسارع في تقديم المساعدات ودعم الاصلاحات المختلفة في المملكة، وإقرار صندوق النقد الدوليّ للبرنامج الائتماني الجديد مع المملكة في ذروة الكورونا هو أكبر دليل إيجابي كبير على ثقة المؤسسات الدوليّة بالمملكة. إلا ان تحديات الثقة الداخليّة والبطالة والنموّ والدين أبرز التحديات المستقبليّة التي تحيط بالاقتصاد الوطنيّة واستقرار الماليّة العام ، وهذه تحديات مزمنة يتطلب من الحكومة إصلاحات جذرية تتسم بالعدالة لمواجهتها. فالبطالة اليوم باتت قضية هيكليّة في الاقتصاد الأردنيّ ليس متعلقة بأعداد كبيرة من الخريجين فقط، وإنما بقضية اقتصاديّة جسيمة تتعلق بمخرجات تعليميّة لا تتواءم أبداً مع متطلبات سوق العمل، وهنا يقتضي الأمر إصلاحات جذرية لمعالجة اختلالات العمليّة التعليميّة برمتها. تراجع ثقة المستهلك والمستثمر معاً في الاقتصاد الوطنيّ معضلة رئيسيّة نتجت عن أخطاء تراكميّة لسنوات، افقدت هذا العنصر اهميته في الاقتصاد، والعودة اليه يتطلب حزمة متكاملة من الحكومة في تحقيق العدالة في السياسات الاقتصاديّة وثبات التشريعات وتحقيق سيادة القانون، وربط الإعفاءات التي كانت قيمتها في بعض السنوات تقترب من قيمة العجز الحقيقي للموازنة العامة، وربطها بالتشريعات وتحقيق القيمة المضافة في المشروع الاستثماريّ، والابتعاد عن المزاجيّة والفزعة والعمل غير المؤسسي في التعامل مع المستثمرين وإعفاءاتهم. تراجع مُعدّلات النموّ الاقتصاديّ منذ عام 2009 ولغاية يومنا هذا، وانحسارها حول مُعدّلات ال2بالمائة عقبة أساسية امام السياسة الماليّة في المرحلة المقبلة التي سيتطلب الأمر خلالها توفير مساحة تمويليّة كافية لتلبية نفقات الدولة المختلفة، وهذا لا يكون بالاعتماد على الاقتراض فقط، إنما يكون بتوفير دخل إضافي جديد للاقتصاد الوطنيّ من خلال تحسين الكفاءة الضريبيّة ومحاربة التهرّب بكل اشكاله والإصلاح الجمركي وتوسيع قاعدة الملتزمين ضريبيّاً وجمركيّاً. المديونيّة التي باتت تثقل الاقتصاد الوطنيّ وتستنزف موارده في سداد اقساطها وخدمتها السنويّة التي تتجاوز ال1.546 مليار دينار تحتاج اليوم إلى استراتيجيّة جديدة للسنوات المقلبة والتي يجب ان تتضمن اهدافا واضحة للنقطة الرئيسيّة التي يجب ان تصل اليها الخزينة خلال العام، والخطوات الواجب اتباعها من حيث كيفية الاقتراض بأسعار فائدة منخفضة وإحلالها بدلاً من القروض ذات الفائدة المرتفعة كخطوة اولى لتخفيض فوائد الدين السنويّة. حتى تغيير منهجية احتساب الدَّين واستثناء ديون الضمان والنظر إلى دين الحكومة العامة هو وسيلة اقتصاديّة وليست غاية بحد ذاتها، فالهدف اصلاح هيكل المديونيّة من خلال الاصلاح الاقتصاديّ المبني على زيادة النموّ. نعم صحيح هناك تحديات كبيرة تحيط بالاقتصاد الوطنيّ، لكن الدعم الدوليّ مازال موجوداً وبقوة للاردن، وعلى الجهات الرسميّة ان توظف هذا الدعم بمزيد من الإصلاحات والاستمرار في اتخاذ القرارات والسياسات الرسميّة والرشيدة للاقتصاد الوطنيّ.اضافة اعلان