التحدي الأول أمام النواب

مع انطلاق عمل المجلس النيابي السابع عشر أمس، بعد انتخابات نيابية أثارت جدلا واسعا، بمقدماتها ونتائجها، يبدو التحدي الأول أمام هذا المجلس هو ضرورة العمل بمثابرة وحرص على تجاوز عقدة انتخابه؛ في ظل غياب التوافق الوطني التام، ومقاطعة قوى سياسية فاعلة، فضلا عما أفرزته نتائج الانتخابات من تداعيات متشائمة في بعض الأوساط السياسية والحزبية الأخرى.اضافة اعلان
لا يمكن التقليل من أهمية المهام والدور المطلوبين والمتوقعين من مجلس النواب في المرحلة المقبلة، سواء على مستوى التشريعات أو ممارسة الرقابة الدستورية على السلطة التنفيذية، وتمثيل شرائح المجتمع المختلفة، ونقل همومها وتطلعاتها. لكن مع ذلك، فإن التحدي الأهم للمجلس الجديد سيكون تحقيق التوافق الوطني بين مختلف المكونات السياسية والحزبية والشعبية، أو على الأقل العمل بحرص وانفتاح على تحقيق مثل هذا التوافق.
وقد كان خطاب العرش الذي افتتح به جلالة الملك أمس الدورة غير العادية لمجلس الأمة، مباشرا وواضحا في هذا السياق، عندما شدد الملك على "المسؤولية التاريخية لنواب وأعيان الأمة في تمثيل جميع الأردنيين والأردنيات"، وفي "إنجاح مرحلة التحول التاريخية".
وأكد جلالته أن هذا الدور يرتب على النواب والأعيان "مسؤولية كبيرة في أن يكون مجلس الأمة حاضنة للحوار الوطني، بحيث يتواصل مع المجتمعات المحلية والقوى السياسية بنقاشات موسعة، تضمن إيصال آراء الجميع وتضمينها في عملية صناعة القرار، ليستقر في يقين كل مواطن بأن مشاركته السياسية منتجة".
إذن، فرأس الدولة يرى أيضا أن التحدي الرئيس اليوم أمام مجلس الأمة هو تحدي تهيئة الأرضية الملائمة للحوار الوطني الشامل، لإنجاح عملية التحول الديمقراطي، وإشراك الجميع في صناعة القرار.
ورغم أن قوى سياسية كبرى، وعلى رأسها الحركة الإسلامية والعديد من الحراكات الشعبية والشبابية المعارضة، قاطعت الانتخابات النيابية الأخيرة، وما تزال تشكك في إفرازاتها ونتائجها، وتطعن في تمثيل مجلس النواب الحالي، إلا أن ذلك لا يجب أن يشكل عائقا أمام المجلس للتقدم إلى دوره في احتضان الحوار الوطني، والسعي إلى الوصول إلى توافقات وطنية، تؤسس لتدارك أزمة المقاطعة وغياب التوافق.
ويمكن لمجلس النواب، بمظلة رسمية عليا طبعا، أن يفتح باب الحوار الوطني، وأن يحلحل "جبل المقاطعة" ومواقف القوى المعارضة من الاندماج في العملية السياسية، وذلك إن بادر سريعا، وبدون ترحيل أو تهرب، إلى فتح باب تعديل قانون الانتخابات النيابية، للوصول إلى صيغة توافق وطني حول التعديلات المطلوبة له.
لقد بعث خطاب العرش أمس برسالة واضحة لمجلس الأمة في السياق الذي نتحدث عنه، يمكن التقاطها والعمل عليها. فالملك، وبعد أن أشار إلى أن الانتخابات النيابية الاخيرة جرت على أساس قانون انتخاب جديد "لم يكن مثاليا"، وإن كان "حظي بالتوافق الوطني المتاح"، فقد دعا جلالته إلى مراجعة هذا القانون ونظام الانتخاب "بحيث يحظى بالتوافق، ويعزز عدالة التمثيل، ويمكّن الأحزاب من التنافس بعدالة، ويرسخ تجربة الحكومات البرلمانية، ويحمي مبدأ التعددية، ويتطور بالتوازي مع تطور الحياة الحزبية".

[email protected]