التربية والتعليم ومجتمع المعرفة

نفذ المعلمون إضرابا جزئيا أمس، في مدارس التربية، وكان اجتماع نيابي حكومي مع نقابة المعلمين قد فشل، أول من أمس، بل وانتهى بشجار وانسحاب نقيب المعلمين وزملائه احتجاجا على ما اعتبروه إهانة للمعلمين من بعض النواب، وكان المشهد مؤسفا، خصوصا وأن الموضوع هو التعليم، فأي مثال تربوي نقدم للناشئة؟!اضافة اعلان
ليس موضوعيا هنا مناقشة مطالب نقابة المعلمين، وهي تتصدر الآن الحملة ضد التعديلات على نظام الخدمة المدنية، والشيء الرئيس فيه هو نظام جديد لتقييم الموظفين في ضوء الفشل التام للنظام القديم، وهو تغيير يجب إعطاؤه فرصة مع أنني لست واثقا من نجاحه لأن المشكلة الأعمق ستواجه كل نظام، وهي البشر الذين سيطبقون أو يطبق عليهم النظام؛ حيث ستتكفل العقلية السائدة والثقافة الفاسدة بإفشال أي ترتيبات لتمكين تقييم حقيقي وصحيح. ويحتج المعلمون أيضا على نظام البصمة للدوام لأن المعلم ليس مضطرا للتواجد طوال ساعات الدوام الرسمي ما دام ليس لديه حصص، وهذه قضية للنقاش، فليس ضروريا احتجاز المعلم بلا عمل كل اليوم، لكن هل حقا لا يوجد شغل للمعلم خارج الحصص المقررة؟ ألسنا في أجواء استنهاض عام للعملية التربوية، والحصص الصفية للمنهاج هي جزء منها فقط؟!
لنترك الأنشطة اللامنهجية والتنمية المعرفية، ويكفي أن نشير الى مشروع نظام إدارة التعليم الالكتروني الذي أطلقته الوزارة حديثا بالتعاون مع "المناصير" و"ميكروسوفت"، وهو عمل ضخم ينقل كل العملية التربوية قفزات الى الأمام، ولا يجوز أن يتعثر، ويحتاج المعلمون الى تدريب ومتابعة حثيثة لتطبيقه، وحسب وزير التربية والتعليم د.عمر الرزاز، فإن البنية التحتية للربط الالكتروني للمدارس قد اكتملت وستمكن من توظيف التكنولوجيا في التعليم، وتسهيل العمليات الإدارية على المعلمين والمديرين وإدخال بياناتها على الحاسوب والشبكة الإلكترونية، مثل إدخال العلامات والواجبات المدرسية وسجلات الحضور والغياب وغيرها، والنظام سيكون متاحا على شبكة الانترنت ومن خلال التطبيقات الذكية للمدارس الحكومية والخاصة، وهو سيحقق نقلة هائلة في المتابعة والإشراف التربوي والتواصل والتقييم، لكن كل ذلك يحتاج الى جهد ووقت ومتابعة وتأهيل.
وحسب د.الرزاز، فالمرحلة التشغيلية الثانية للنظام ستبدأ في الأول من شهر أيلول (سبتمبر) المقبل، بحيث تشمل خدمات إضافية كالخطط الدراسية والجدول المدرسي والملف السلوكي والصحي والنفسي للطلاب وخدمات أخرى، ومع كل التقدير لدور النقابة في الدفاع عن مصالح أعضائها وتقديرنا لاحتياجات المعلمين المادية، ونحن نساندها بلا شك، لكن ثمة إصلاح تربوي شامل يحتاج لتعاون المعلمين جهدا وفكرا ووقتا، والتقدم الذي يتحقق للأردن والأجيال المقبلة هو خير مكافأة للمعلمين.
المدرسة هي العنوان الأول للتقدم لمجتمع المعرفة، وهي حتى أمس، كانت عنوانا سلبيا يشي بواقع بائس، وكان يكفي مراجعة مؤشرات التنمية البشرية للمنطقة العربية، وفي مقدمتها الثقافة العامة والقراءة والتأليف والإنتاجية والإبداع لنعرف حجم التدهور المعرفي، وليس بعيدا عنه إنتاج التطرف السلفي والإرهاب، وبينما كنا نتغنى بالإنجاز الكمي لعدد المدارس ونسبة الأمية المتدنية، كنا نشهد التراجع الكيفي في المحتويين التعليمي والتربوي.
لا نريد المبالغة في تسويد المشهد، فهناك إنجازات ونحن نحتل موقعا متوسطا عربيا وعالميا في المؤشرات التنموية، لكن الطموح هو أكبر بكثير، ولأننا دولة بلا ثروات غير الرأسمال البشري، فإن التنمية البشرية والتقدم المعرفي هما سلم التقدم للمستقبل، وفي "مؤشر المعرفة"، وهو مؤشر جديد تم إطلاقه العام الماضي، بالتعاون بين برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومؤسسة محمد بن راشد في دبي، احتل الأردن الموقع 62 من بين 133 دولة والموقع 77 في محور التعليم قبل الجامعي والموقع 98 في التعليمين التقني والمهني، بينما احتلت سنغافورة الموقع الأول.