الترفيع التلقائي مرة أخرى

يفيد 98 % من البحوث التي أجريت حول الرسوب في الولايات المتحدة الأميركية، إلى أنه لا يفيد الطفل/ التلميذ بشيء، وأن الترفيع التلقائي الذي يسمونه هناك بالترفيع الاجتماعي (Social Promotion)، مهما كانت علاّته، أفضل تربوياً للطفل من الرسوب بكثير. وقد تحدثت عن ذلك وكتبت كثيراً، حتى يُسمع مني. ويمكن لمن يريد المماحكة أو الرفض العودة إلى ما ذكرت على موقع "الغد". اضافة اعلان
ويؤكد ذلك، أيضاً، أستاذ علم النفس التربوي في جامعة أريزونا ديفيد سي. بيرلنر، بعد مراجعته عددا من البحوث في الموضوع، فيقول: إذا كان لدينا طفلان لم ينجحا في صف ابتدائي -مثلاً- وقررنا ترسيب أحدهما وترفيع الآخر، فإن الطفل الذي يرفع يستفيد تعليمياً بمقدار يفوق بكثير ما يستفيده الراسب من الرسوب. هذا بالإضافة إلى تحسين فكرة الطفل/ التلميذ المرفَّع عن نفسه، وتدهورها عند الطفل المرسّب؛ وتحسّن اتجاه الطفل المرفّع نحو المدرسة وتحوله إلى سلبي عند الطفل المرسّب، وصعوبة تكيفه مع المدرسة.
ومع أن البحوث في أميركا تؤكد أفضلية "الترفيع الاجتماعي" على الرسوب، إلا أن أميركا ما تزال تمارس الرسوب في مدارسها، بخاصة بعد صدور قانون جورج بوش الابن المسمى قانون "No Child Left Behind"، والذي صار يتندر عليه النقاد بتحريف اسمه إلى العكس. ومما يزيد الطين بلة هناك، اعتقاد كثير من الناس أنه يجب ترسيب الطفل إذا لم ينجح في دروسه. ويعلق بيرلنر على ذلك بالقول: "يبدو معتقد الناس منطقياً. لكن البحوث لا تدعمه. إلا أن الرسوب غير معروف في بلاد أخرى مثل الدنمارك وفنلندا وغيرهما كثير، لأن العناية الحثيثة بالتعليم والتعلم، قوية ومتواصلة، وتعالج ثغراتهما أولا بأول".
من جهتي، أعتبر ترسيب بعض الأطفال/ التلاميذ بمثابة تدوير لهم (Recycling) لا يفيد؛ لأن الطفل ليس نفاية ليُدوَّر. ونحن نتحدث عن الحاكمية والجودة الشاملة في الإدارة، ويعنيان في التعليم أنه يجب ألا يترك طفل/ تلميذ خارج المدرسة أو متسربا منها أو بعيداً عن الرقابة والمتابعة، وبحيث يؤخذ بيده أولاً بأول، ويتعلم جيداً ويبقى مع سربه. ماذا يستفيد الطفل من الرسوب إذا بقيت ظروف التعليم والتعلم في المدرسة، وفي الصف، كما هي؟ لماذا لا يجوز أن يحمل الطفل/ التلميذ مادة أو مادتين معه عند اللزوم إلى الصف المرفع إليه، لجذب انتباه المعلمين أو المعلمات وذويه إليهما؟ فعندئذ يطلب من المعلمين والمعلمات ذوي العلاقة ومربي الصف، متابعة الموضوع واستخدام غرفة المصادر لخدمة هذا الغرض.
إن أحب كلمة عند الطفل/ التلميذ في المدرسة، وكذلك ذويه، هي الترفيع. وأسوأ أو أبغض كلمة عندهم هي الرسوب، فهل تملك المدارس العامة في الأردن من الجاذبية ما يجعل الطفل يرحب بالرسوب فيها سنة أخرى؟ وهل التعلم في المدرسة العامة متعة لا تفوّت كي يرحب الطفل بالرسوب؟ لو كان الأمر كذلك، فانه يستيقظ مبكراً كل صباح من تلقاء نفسه فرحاً وسعيداً بالذهاب إليها. لكنه يوقظ (أو ينخز) ليستيقظ ويحمل إليها وهو غير راغب فيها.
لطالما ادعيت أن التعليم (والمناهج الخفية) في مدارس العرب والمسلمين هو حاضنة الإرهاب ودفيئته. وقد تبين ذلك ببروز الجماعات الإرهابية التي تخرجت فيه في الفترة التي تلت هزيمة حزيران الكبرى العام 1967، وسيطرة إسلاميين على التعليم رسمياً ومنهجاً خفياً، بدءاً من الروضة ومروراً بالمدرسة وانتهاءً بالجامعة. لقد انتهى التعليم في بلاد العرب والمسلمين بتخريج أناس يحملون الثانوية العامة أو البكالوريوس أو الماجستير أو الدكتوراه في الإرهاب، فيمارسونه بأيديهم كما في العراق وسورية ومصر.. إلخ، أو بألسنتهم أو بقلوبهم في بقية البلدان، وهما أخطر الإرهاب.