التسامح يتسيد بعد "كورونا".. وعلاقات تتبرأ من الأحقاد والعداوة!

figuur-i
figuur-i

ربى الرياحي

عمان - يمر المرء بلحظات استثنائية تعيده إلى صوابه وطيبته، وتحرض كل من سمح لمشاعر الحقد والكراهية أن تغزو قلبه لإنهاء علاقات مهما كانت الأسباب، بأن يعود لطبيعته كإنسان، وأن يتجاوز عن أخطاء الماضي.
الخلافات التي تحدث بين الناس، تؤدي أحيانا إلى تناسي كل المواقف الجميلة والاكتفاء بتذكر آخر موقف، لكن "كورونا" وبالرغم من قسوته جاء ليمسح على تلك القلوب المتخاصمة ويجعلها أكثر دفئا وتسامحا. هذا الفيروس قرب بين الناس، ومنحهم فرصة ليعيدوا حساباتهم ويقفوا أمام ذواتهم محاولين إصلاح ما أفسده العناد والتجبر.
الإحساس بأن الخطر قريب جدا ومن الممكن أن يصيب أحبة له، كان سببا كافيا لدى عمر لأن يبادر بمصالحة أخيه الأكبر الذي أنسته الحياة أنهما أخوان وسند لبعضهما بعضا، هو وبعد عام كامل من الخلافات والمشاحنات والانقطاع تماما عن المناسبات العائلية التي من شأنها أن تجمعهما، شعر بحاجته لأخيه.
ظل عمر مترددا في اتخاذ الخطوة الأولى حتى جاءت أزمة "كورونا" وأجبرت الجميع على أن يفكروا بشكل علاقاتهم؛ إذ إن قسوة هذه الأزمة وما تحمله من خوف وألم وقلق كانت السبب في إدراك حقيقة واحدة، وهي أن الحياة لا تستحق كل ذلك وأنها من الممكن أن تنتهي بلحظة.
ويعتبر أن التسامح ينقي النفوس من الضغائن ويسمح لها بأن تكون أكثر صدقا وحبا وشفافية، لافتا إلى أن التخلي عن التعنت والتعصب لأنفسنا رغم تيقننا أننا مخطئون يوقظ فينا ذلك الصفاء والبياض، والماضي يجب أن يبقى ماضيا لنستطيع العيش بسلام مع من نحبهم ومهما كانت الأسباب والظروف.
أما الثلاثينية لجين فهي أيضا غيرتها الأزمة وأعادتها إلى صوابها، وفق ما تقول؛ إذ إن الإنسان بطبيعته ينسى وتأخذه الحياة ويعتقد أن قوته لا تهزم أبدا، غروره هذا بأن لا شيء بإمكانه أن ينال منه يجعله في كثير من الأحيان يسيء لمن حوله ويؤذيهم وأيضا يجافي أشخاصا كانوا بمثابة الأهل له يوما ما.
وتبين أن خلافها مع صديقتها المقربة وابتعادها عنها فترة كبيرة انتهى بمجرد أن الخوف أصبح يجمعهما. تقول إن همهما المشترك ورغبتهما في أن تزول الغمة ويعود الفرح لملامح الجميع، كلها أمور دفعتها لأن تتصل بصديقتها وتسأل عن أحوالها، هي بذلك قررت أن تكسر الجمود وتذيب الجليد الحاصل بينهما.
وتشير إلى أنها تعلمت من الأزمة أن لا تؤجل أي شيء وأن الوقت ربما لا يسعفها لأن تعبر عن محبتها للأشخاص القريبين منها، مؤكدة أن مشاعر الندم قاسية جدا ومخيفة وأنه ليس هناك من هو معصوم عن الخطأ، لكن بالمقابل مهم جدا المبادرة للصفح وفتح صفحة جديدة بعيدة عن الكره والعداوة تتسع فقط للحب والتراحم والاحتواء.
ويرى الأخصائي النفسي الدكتور موسى مطارنة، أن الإنسان في الأوقات العادية، والبعيدة كل البعد عن الخوف والأزمات، يكون أكثر تجبرا وتعنتا وتظهر عنده الأنا بأعلى مستوياتها فيصبح لديه إحساس بأن العالم ملكه وغدا له، وأن الناس جميعا يخضعون لسطوته، وتتضخم عنده الأنا وينسى أن الحياة رحلة وأنها قصيرة ويأخذه الغي كثيرا.
ويذهب مطارنة إلى أن التعرض للأزمات يدفع الإنسان الى استعادة تلك اللحظات الصعبة إلى طبيعته وواقعه وإلى قدراته المحدودة أمام قدرات أعلى، موضحا أن الخوف دائما سبب في إعادة ترتيب الأولويات، بالإضافة إلى أنه يتيح فرصة لمحاسبة النفس والتخلص من العداوات والخلافات.
ويلفت إلى أن الإنسان في لحظات الخوف يتذكر أنه مخلوق ضعيف، فتتلاشى كل تلك القوة التي يصطنعها من أجل الحصول على كل ما يريد. ويبين أن من يتمتع بالعقل والوعي والتفكير المنطقي ليس أمامه سوى أن يخرج من الأزمة إنسانا آخرا ينظر إلى الحياة بصورة مختلفة، وبعين ترى الأخطاء وتسعى لتصويبها والوصول إلى قناعة تامة بأن الحياة لا تستحق أبدا كل هذا النزاع والتخاصم والعدائية وأنه من الضروري التعامل معها على أنها لحظات قصيرة يجب أن تعاش بحب وسعادة.
ويذهب الأخصائي الاجتماعي مفيد سرحان إلى أن الإنسان بطبعه اجتماعي، بمعنى أنه لا يستطيع أن يعيش بمعزل عن الآخرين، ويكون هذا في كل الظروف في الرخاء والشدة. وفي الظروف العادية قد يشعر البعض أنه ليس بحاجة إلى بعض الأشخاص خصوصا من الأقارب أو الأصدقاء أو الجيران، وهذا مفهوم خاطئ لطبيعة العلاقات الاجتماعية، فالحاجة لا تعني بالضرورة الحاجة المادية، بل هي اجتماعية ونفسية وعاطفية، والتعامل مع الناس مطلوب حتى لو أساء البعض التعامل معك.
ومن فوائد المحن والشدائد، وفق سرحان، أنها تدعو الإنسان إلى مراجعة نفسه وعلاقته مع الآخر وهو شعور جيد وإيجابي؛ حيث يرى الشخص أن ما به من نعم ليس بالأمر الدائم، وأن هذه النعم والبحبوحة والرخاء يمكن أن تتغير أو تزول وأن عليه أن يمتن صلته بالله، ويراجع علاقته مع الآخرين ويقوي الضعيف منها ويعيد العلاقات المقطوعة، بل ويحرص على بناء علاقات جديدة حتى لو كان التواصل مع الجميع عن بعد بسبب ظروف حظر التجول والنصائح الصحية بعدم الاختلاط.
وهذه المشاعر يجب أن يشعر بها الجميع وتحويلها إلى سلوكيات وأن يكون للشخص شرف المبادرة، وألا ينتظر الآخرين، وهنا يجب ألا نتوقف كثيرا في تحليل الأسباب التي تدفع الشخص إلى تقوية أو إعادة العلاقات مع الآخرين، أهي مراجعة للنفس والاعتراف بالتقصير أو الخطأ أم الخوف من الإصابة بالوباء وما قد ينتج عنه.
ويبقى الأهم، وفق سرحان، أن "نتجاوز عن أخطاء بعضنا بعضا وأن نسامح بعضنا بعضا"، والشخص الواعي هو من يصفح ويتجاوز عن الأخطاء ويبدأ بإعادة العلاقات المقطوعة، ويقوي القائم منها ويجعل من هذه الظروف الصعبة فرصة لفتح صفحة جديدة مع الجميع والخروج من هذه الأزمة أكثر قوة وتماسكا على مستوى الأسرة والمجتمع والوطن.

اضافة اعلان