التسمم الكيماوي يفتح ملف "مسابح المزارع"

إحدى المزارع التي تضم مسبحا في محافظة جرش-(أرشيفية)
إحدى المزارع التي تضم مسبحا في محافظة جرش-(أرشيفية)
صابرين الطعيمات جرش – ما تزال حادثة التسمم الكيميائي التي طالت 13 من مرتادي أحد مسابح المزارع السياحية نهاية الأسبوع الماضي، في منطقة جرش، ترخي بظلالها على سكان المحافظة وزوارها، الذين يطالبون بتشديد الرقابة على هذه المرافق ومثيلاتها من الشاليهات وبيوت الضيافة، وإلزام أصحابها باتباع شروط السلامة العامة، فضلا عن ضرورة وضع سقوف سعرية لأجورها التي "لا تتناسب مع مستوى الخدمات والتجهيزات المتوفرة فيها". وكان مدير مستشفى جرش الحكومي صادق العتوم، قال إن المستشفى استقبل 13 شخصا مصابين بتسمم كيماوي، بعد سباحتهم داخل بركة في منتجع "شاليه" في إحدى مزارع جرش. وبين العتوم في تصريحات صحفية لوسائل اعلام محلية أن ليلة الخميس - الجمعة، راجع طوارئ مستشفى جرش الحكومة مجموعة من الأشخاص يعانون من اعراض مرضية لأشخاص خرجوا للتنزه في احدى المزارع، وكانوا يعانون من الدوران وضيق في التنفس والتقيؤ وضعف عام في الجسم، وتم إجراء الاسعافات الضرورية لجميع الحالات. وأضاف العتوم أنه تم تقديم الاسعافات الاولية للحالات المصابة، حيث تم إخراج آخر حالة ظهر اول من امس الجمعة، وهم بوضع صحي مستقر. ويؤكد زوار ان هذه المزارع والشاليهات "لا تتوفر في معظمها شروط السلامة العامة، وتحتوي على مسابح وألعاب ومتنزهات ومواقع شواء غير آمنة، لا تتتاسب مع الحركة السياحية والإقبال عليها، خاصة في هذه الفترة التي تنشط فيها السياحة الداخلية، حيث وتلجأ آلاف الأسر إلى ارتياد هذه المرافق في محافظة جرش التي تتميز باعتدال طقسها وقربها من العاصمة وباقي المحافظات، فضلا عن تعدد مواقعها الأثرية والسياحية". ويقول الزائر عصام الجيتاوي، إن حادثة التسمم في أحد مسابح المزارع الخاصة، "فتحت باب التساؤلات عن مدى توفر شروط السلامة العامة، لاسيما وأن كل المزارع تحتوي على برك مائية، وينبغي تجديد المياه وتعقيمها وتنظيفها من قبل خبراء وفنيين مدربين على هذه المواد التي كانت السبب في حادثة التسمم". ويضيف أن معظم البرك والمسابح "لا يتم تغيير مياهها ولا تعقيمها باستمرار، وتتراكم فيها الأوساخ والأتربة والشوائب على الرغم من استخدامها من قبل مئات الزوار أسبوعيا". بدورها، تقول الزائرة أم عبدالله إنها "تعرضت لمشاكل جلدية متعددة من مياه مسبح تابع لإحدى المزارع السياحية التي استأجرتها برفقة بعض السيدات من قريتها"، مشيرة إلى أنها "وبعدما قامت وأطفالها بالسباحة في البركة لاحظت ظهور بقع جلدية استدعت زياة طبيب والحصول على أدوية وعلاجات مكلفة بسبب المياه التي لم تكن معقمة أصلا، ونقلت إليهم العدوى". وتناشد أم عبدالله بمتابعة هذه المزارع والشاليهات التي يستثمرها أصحابها بـ"أسعار خيالية بعيدا عن أعين الرقابة والتفتيش، والتي قد تسهم بنقل الأمراض وإيقاع الضرر بالمرتادين كونها غير مجهزة وفق شروط وتصاميم هندسية مناسبة للعب الأطفال أو سباحتهم، ولا بمواقع الشواء غير الآمنة، والتي تتسبب بنشوب حرائق بين الحين والآخر". يذكر أن ظاهرة المزارع السياحية والشاليهات وبيوت الضيافة بدأت بالتوسع في محافظة جرش بشكل خاص على الرغم من المشاكل الاجتماعية التي تسببها للمجاورين، لاسيما وأن أغلبية هذه المزارع تقع في القرى والأرياف. ويشدد مواطنون على ضرورة متابعة عمل هذه المزارع التي تتسع تدريجيا في المحافظة ومراقبة عملها، وتحديد ساعات معينة للحد من بعض "التجاوزات والأخطاء المسيئة للمحافظة" التي تعد من أهم وأكبر المحافظات السياحية على مستوى المملكة، خاصة وأن الإقبال على هذه المزارع بات كبيرا، ونسبة حجوزاتها مرتفعة، لا سيما مع اقتراب عيد الأضحى، وبنسب إشغال تصل إلى 100 %. كما يحذر آخرون من "خطورة ترك الحبل على الغارب لهذه المزارع والشاليهات التي تروج لنفسها عبر مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، وتقدم عروضا وتخفيضات وأجورا تشجع العائلات والزوار على استئجارها لفترات طويلة، كما توفر خدمات فندقية وسياحية في أجواء طبيعية يصعب توفيرها في محافظات أخرى" وفق الناشط أحمد القادري. ويقول القادري إن "إساءة استخدام هذا النوع من السياحة غير مسموح في محافظة جرش، حرصا على سمعة المحافظة وجودة المنتج السياحي فيها، وهي من أهم المدن السياحية التي تتميز بالمناخ المناسب وكثرة الغابات والمحميات الطبيعية فيها، وبمواقعها الأثرية المتعددة، فضلا عن قربها من العاصمة وتوفر مختلف الخدمات السياحية فيها". ويؤكد ضرورة استثمار ميزاتها السياحية بطرق "آمنة وإخضاعها لمراقبة مشددة منعا لأي تجاوزات قد تسبب مشاكل اجتماعية على المستوى البعيد، كما حصل قبل نحو أسبوع في إحدى المزارع السياحية في محافظة جرش، ما انعكس سلبا على المنتج السياحي في المحافظة". بدوره، أكد مصدر مسؤول في محافظة جرش أن "هذه المزارع السياحية وبيوت الضيافة والنزل البيئية توفر خدمات سياحية، ويتم استثمارها بشكل شخصي من قبل أصحابها، ولا يقل عددها عن 400 موقع موزعة في مختلف القرى والبلدات في محافظة جرش، وكان من المتوقع أن يتم ترخيصها وتنظيم عملها تحت مسمى "بيوت الضيافة" بحيث تتبع لوزارة السياحة قبل الجائحة، غير أن ظروف الجائحة أخرت هذا التوجه، لكن سيتم العمل على ترخيصها قانونيا ومتابعة عملها في الفترة المقبلة". ويضيف أن وزارة الداخلية "معنية بمراقبة عمل تلك المرافق، ومتابعة الملاحظات والشكاوى التي ترد بحقها، حرصا على سلامة مستخدميها والحد من حدوث أي تجاوزات اجتماعية فيها". إلى ذلك، يؤكد مدير سياحة جرش فراس الخطاطبة أن المزارع التي يستثمرها أصحابها لجذب الزوار والسياح إلى محافظة جرش "ما تزال غير مرخصة وغير تابعة لسياحة جرش، لكن سيتم في الفترة المقبلة ترخيصها قانونيا تحت مظلة وزارة السياحة، لتتم متابعة عملها وتنظيم استثمارها، حرصا على سلامة الزوار وراحتهم، ومراقبة كافة الاشتراطات الصحية والهندسية والفنية فيها". ويوضح أن هذه المنشآت التي "تستثمر بمختلف الطرق وتحت عدة مسميات، وعددها بالمئات، وهي نشطة في هذه الفترة وتلقى رواجا بين الأسر والعائلات التي تفضل هذا النوع من السياحة البيئية التي تتميز بها محافظة جرش". يذكر أن مئات المزارعين في محافظة جرش بدأوا بتحويل مزارعهم إلى مزارع سياحية لاستقطاب الزوار، والاستفادة منها، في ظل تراجع أسعار المنتجات الزراعية وتضرر المواسم جراء التغير المناخي، فضلا عن الضرر الكبير الذي لحق بالمشاريع السياحية، وسوء الأوضاع الاقتصادية التي يعاني منها المواطنون بعد جائحة كورونا. ويلجأ مزارعون إلى استثمار الميزات السياحية لمحافظة جرش ومحمياتها وغاباتها الطبيعية واعتدال مناخها وقربها من العاصمة، فضلا عن إطلالاتها وجبالها المرتفعة التي تعد من عوامل جذب الزوار للمحافظة بشكل خاص. إلى ذلك، يؤكد أصحاب المزارع أن نسبة الحجوزات في عطلة عيد الأضحى بلغت 100 %، وبأجور مرتفعة، خصوصا في أول أيام العيد، ما يدل على الإقبال على سياحة المزارع الخاصة، خصوصا التي تتوفر فيها سائر المقومات السياحية، من غرف فندقية وبرك سباحة ومواقع للعب الأطفال، وخدمات لتقديم الطعام والشراب، ومواقع للشواء. وكان الخبير السياحي مدير غابات دبين المهندس بشير العياصرة أكد في حديث سابق لـ"الغد"، أن هذه المزارع تعد "مشاريع استثمارية كبرى إذا تم التعامل معها بحرفية ومراقبة ودقة، من خلال تنظيم عملها وإدارتها من قبل جهة حكومية وضبط عملها، حتى لا تسبب بمشاكل اجتماعية بين القرى والأرياف التي تنتشر فيها". وأضاف أن هدف هذه المشاريع حماية الغابات من العبث والأخطار التي تتعرض لها، سيما أخطار الحرائق والتنزه العشوائي والتحطيب، وخطورة النفايات بمختلف أشكالها، حيث تعتبر هذه المزارع بديلا آمنا ومناسبا للتنزه العشوائي إذا تم إدراجها تحت بنود قانونية وحماية اجتماعية تضمن حماية المتنزهين والحفاظ على حقوق المجاورين معا.اضافة اعلان