"التعايش مع كورونا".. هل يفرض مفهوما اجتماعيا جديدا؟

Untitled-1
Untitled-1
تعريد السعايدة عمان - ما أن بدأ مصطلح التعايش مع "كوفيد 19" يتسلل إلى التصريحات الرسمية، حتى بدأ المجتمع يتساءل عن ماهية الإجراءات التي يجب على الأفراد التقيد بها لإنجاح هذا التعايش والتأقلم مع القادم من أجل الوقاية من الإصابات المرضية القادمة. ما يثير فزع الكثيرين ومنهم راوية أحمد هو عدم معرفة مصدر الإصابة أو العدوى التي لحقت بكثير من الحالات، بحيث انها لم تكن حالات مخالطة، وهذا يعني أن الشخص لم يعد قادراً على تمييز مناطق الخطورة والبؤر، عن المناطق الأقل تضررا، وأصبح الخوف مستقرا بداخل كل فرد، وهذا يتطلب "حرصا أكبر وإتباع أفضل إجراءات الوقاية". وتقول راوية إن فكرة التعايش مع الوباء بحد ذاتها "مرعبة" خاصة واننا غير مؤهلين أو مستعدين لإجراءات السلامة الخاصة بذلك، كون الأمر جديدا كلياً على المجتمعات في كل مكان، وهذا انعكس على الأعداد الكبيرة التي نشاهدها تزداد يوماً بعد يوم، من دون معرفة مصدر إصابة المئات منها. مختصون في متابعة تطور انتشار وباء "كورونا" في الأردن، يصرون على طرح فكرة "التعايش" مع المرض، وأن يكون كل شخص لديه الاستعداد لمواجهته، إما بالوقاية من خلال التقيد بشروط السلامة العامة، أو أن يكون الفرد معرضا للإصابة، في حال لم يكن على أهبة الاستعداد لذلك. طبيب مجتمع وصحة عامة وبيئة ووبائيات الدكتور عبد الرحمن المعاني يرى ان التعايش لا يعني أبدا أن يتحول الأفراد في المجتمع إلى "مستهترين بإجراءات الوقاية المتبعة للحد من انتشار المرض، بل أن التعايش يعني أن نتأقلم وفق إجراءات صحيحة نتبعها تحمينا وتحمي عائلاتنا من الأمراض المختلفة وبخاصة الآن فيما بتعلق بانتشار وباء كورونا". ويشدد المعاني على أهمية أن يتبع الجميع الإجراءات التي تم الحديث عنها بشكل دائم، من خلال المحافظة على التباعد الجسدي، ارتداء الكمامة عند الضرورة، وغسل اليدين بشكل متكرر، بالإضافة إلى أهمية التقيد بعدم التواجد في تجمعات كبيرة مهما كان الأمر، بعد أن ثبت أن نسبة الانتشار المرضي زادت بشكل كبير من خلال الحفلات والمناسبات التي يجتمع فيها أعداد كبيرة من الناس، مشيرا إلى أن قوة المرض تعتمد على عدد الفيروسات التي تدخل إلى الجسم، وفي حال التواجد بشكل دائم في التجمعات دون وقاية هذا يزيد من احتمالية الإصابة، وزيادة نسبة الخطورة المرضية. وبعد أن كان لا يتبع بعض الإجراءات السليمة خلال تنقله ما بين المؤسسات والدوائر الرسمية، أو المحلات التجارية، أكد الشاب عصام نصر، وهو موظف قطاع حكومي، أنه قرر مؤخراً الإلتزام بكافة الإجراءات الوقائية، ابرزها لبس الكمامة والتباعد الجسدي، حيث قرر ذلك بعد أن تعرض أحد اقارب زميله للإصابة بفيروس كورونا، من دون معرفة مصدر الإصابة إلى الآن. هذا الغموض في التعرف على مصدر الإصابة، دفع عصام للتخوف بشكل كبير، كونه كثير التنقل والحركة، ويقيم في العاصمة عمان، والتي تشهد أكبر نسبة إصابة بين المحافظات، ويقول "وصلنا إلى مرحلة لم يعد المرض مخفيا ومحدود الانتشار، وما الدعوة إلى التعايش مع المرض وسيلة لدفع الناس لمتابعة الإهتمام بالوقاية وعدم التهاون في ذلك مع وجود فكرة التعايش. ويبدي المعاني استغرابه من بعض الأصوات التي تطالب بأن تعود الحياة إلى طبيعتها كما كانت ما قبل "كورونا" بحجة أن المرض "موجود ومنتشر بكل الأحوال"، وهذا أمر معاكس تماماً لمفهوم التعايش، الذي يعني بالضرورة أن يكون تعايشا بتطبيق أمور حياتية ومجتمعية تحمينا من الأمراض، وليس ترك الأمور دون حماية ووقاية، إذ سيؤدي ذلك إلى أمور لا تحمد عقباها وعلى المجتمع أن يعني تماماً ماذا يعني التعايش والتدريب على أسلوب الحياة الجديد، وخاصة بين الأطفال، طالما ما تزال كورونا موجودة. وعلى الرغم من تكرار النصائح العامة للوقاية، بحسب المعاني، إلا أن التذكير بها يجب ان يكون دائما مع الدعوة إلى التعايش مع المرض، والذي يعني في طبيعة الحال، أن تسير الحياة الإجتماعية والعملية والاقتصادية كالمعتاد، ولكن بشكل مختلف نوعاً ما من ناحية إجراءات الوقاية، والتي تفرض على المجتمعات ككل أن تتأقلم مع تلك المستجدات الإجتماعية والوقائية، فالإنسان أثبت أن الديه القدرة على التأقلم مع الكثير من التطورات والتغيرات المجتمعية والمناخية والوبائية على مدار عقود. هذا التأقلم، كما يراه المعاني، هو أمر فطري بطبيعة الحلا لدى الإنسان، خاصة أن الحماية الشخصية من المرض هي الهدف الرئيس منه، وهذا يتطلب في ذات الوقت أن تتبع الجهات المسؤولة عن مختلف القطاعات في المجتمع أن تعيد فتح بعض الأمور التي تم إغلاقها مؤخراً، كما في العودة إلى المدراس، وإفتتاح المطاعم، ولكن ضمن شروط صحية ووقائية مقدية وشديدة التطبيق، حتى يعتاد عليها الافراد أولاً بأول ثم التعميم على باقي المجتمعات. أخصائي الاجتماع الأسري مفيد سرحان كان قد بين في حديثه لـ "الغد" أن الإنسان يميل دائماً إلى التقارب مع الآخرين ومعايشتهم، وما فرضه وباء كورونا من نصائح وقائية واجبه، من تباعد جسدي، وعدم المصافحة والتقبيل والملامسة بشكل واضح، لها الكثير من الآثار، بيد أن وجود التواصل الإجتماعي التكنولوجي، قد يكون ذي اثر جيد، ويساعد في الحد من التباعد بشكل كبير، ويفسح المجال للتقارب بطريقة مختلفة. ولا ينصح سرحان بضرورة تكرار مصطلح التباعد الإجتماعي، والاستعانة عنه بالتباعد الجسدي فقط، كون العلاقات الإجتماعية لا يمكن إنهائها بين الناس، بل على العكس قد تزداد ترابطاً فيما بينهم، وهذا يؤكد أن نظرية التعايش يجب ان لا تشمل التباعد الاجتماعي بين الناس، بل الحد من الأمور التي قد تزيد من إنتشار الأمراض مثل المناسبات الإجتماعية الكبيرة، كما في الأفراح، أو حتى مناسبات العزاء، والتي يمكن تقديم الواجب الإجتماعي فيما بين الناس من خلال عدة وسائل بديله.اضافة اعلان