التعليم: مقترحات لضمان التقاء المصالح

جواد عباسي بعيدا عن الجمل الإنشائية المنمقة عن أهمية التعليم القصوى وأولويته العالية التي سمعناها على مدى سنة ونصف، فإن تناقض المصالح الفعلية للجهات المسؤولة عن التعليم في الأردن كان كفيلا بضمان استمرار البعد عن التعليم الذي سميناه تعليما عن بعد إمعانا في خداع الذات. بعد عام ونصف من الجائحة وما نعرفه عن سبل الوقاية منها ونسبة خطورتها المعدومة على اليافعين الأصحاء وتوفر المطعوم لمن يريده من كبار السن الأكثر عرضة للمرض، فإن أي حديث مختلف عن استمرار كارثة البعد عن التعليم هو بمثابة خيانة للأمانة. من لا يستطيع العمل بجد وفعالية لضمان العودة الآمنة للمدارس والجامعات فليستقل ويفسح المجال لمن هو راغب وقادر، خصوصا أن التدقيق الإحصائي حقا يبين أن المدارس لم تكن بؤرا للانتشار وأن إغلاقها لم يمنع تفشي الجائحة. في معظم القطاعات خارج التعليم كانت المصالح متطابقة: الكل يريد العودة الآمنة ويعمل لأجلها. ففي المطاعم تلاقت مصالح صاحب المطعم مع العاملين فيه ومع زبائنه ومع صاحب العقار ومع وزارة المالية. فالكل يخسر من بقاء الإغلاق والكل يعمل لفتحه. كذلك الحال في قطاع الطيران والنقل الجوي والمطار وفي كل القطاعات تقريبا. إلا في التعليم، وجدنا عاصفة مثالية من تلاقي المصالح في الإبقاء على البعد عن التعليم. ففي الجامعات الحكومية مثلا؛ كثير من الطلاب أحبوا سهولة الغش ونظام «ناجح راسب»، فيما أحب بعض الأكاديميين قلة العمل وتحويل المحاضرات الى فيديوهات مسجلة وعدم الحاجة الى دفع تكاليف النقل مع بقاء الرواتب «ماشية». وأحب الأمن الجامعي فراغ الجامعات وأحب كثير من الإداريين ومعهم وزارة المالية تقليل التكاليف. في المدارس الحكومية، أحب كثير من المعلمين الإضراب مجاني الكلفة المفروض من الحكومة. وفي المدارس الخاصة كره كثير من أصحابها الإغلاق حتى استلام شيكات الأقساط، بعدها صار إلغاء التعليم الوجاهي أسهل وأقل كلفة لهم. ومن دون «وجع رأس» الإجراءات الاحترازية التي تضمن العودة الآمنة. فضغط البعض منهم سرا نحو إغلاق المدارس مجددا. لأن العودة الآمنة للمدارس والجامعات قد حصلت في معظم الدول، يجب علينا في الأردن أن نعمل جاهدين لها عبر معالجة الحوافز السلبية والمصالح الضيقة التي ما تزال تضغط نحو إغلاق مستمر للجامعات والمدارس. ومنها المقترحات الآتية وكلها سهلة بوجود قانون الدفاع الذي لا يبدو أن الحكومة ترغب في الانتهاء منه أبدا: في المدارس والجامعات خصم 50 % من الأقساط عن كل فترة لا يكون فيها التعليم وجاهيا. وهذا لأن القيمة التعليمية أقل بكثير للطلاب، إضافة الى أن الإغلاق يخفف من الكلف التشغيلية. وهذا يضمن تلاقي مصالح الأهل والمدارس في استمرار التعليم الوجاهي وتوفير كل سبل العودة الآمنة بدلا من الاستسهال المعيب في الإغلاقات. وهنا أدعو الأهل الى طلب إضافة هذا الشرط خطيا قبل دفع أقساط المدارس إن لم يصدر قرار حكومي به. خصم من رواتب الدكاترة والإداريين في الجامعات كلها بقيمة كلفة المواصلات على الأقل عن كل شهر لا يداومون فيه وجاهيا. تأكيد وجاهية امتحانات المدارس والجامعات كافة ضمن التباعد والشروط الصحية وحتى لو كانت على مراحل؛ لإلغاء حافز سهولة الغش عند الطلبة. التزام الحكومة الحالية باتفاق الحكومة السابقة فيما يخص رواتب معلمي القطاع الحكومي. مع تنفيذ نظام البصمة في الدوام لمنع التسيب الكبير، خصوصا في مدارس الذكور في الأطراف. أيضا -وربما الأكثر أهمية- تغيير الحالة الغريبة الأردنية التي يضرب فيها موظف حكومي عن العمل بينما يبقى راتبه ساريا ويودع بوقته في البنك! في كل الدول الصناعية قرار الإضراب يعني الاستغناء عن الراتب طيلة فترة الإضراب. هذا يجب أن يكون أيضا في الأردن. لمنع حافز الإضراب الذي يصبح حقا إجازة مدفوعة الثمن من دون خصم رصيد الإجازات. هذا اختراع أردني غريب حقا! أخيرا، السماح بالتعليم المنزلي أو الأونلاين لمن يرغب من الأهالي ضمن شروط تقديم الامتحانات وجاهيا في المدارس. هذا سيزيل حافز قلة من الأهالي الذين أخذوا الجائحة حجة لحبس أبنائهم في البيوت. العودة الآمنة للمدارس والجامعات ممكنة التحقيق وتبقى مصلحة وطنية عليا ومطلبا شعبيا واسعا.

المقال السابق للكاتب

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا

اضافة اعلان