"التفاهمات": عبّاس والأردن 2-2

تساءلنا أمس عن بعض تداعيات التفاهمات بين حماس ودحلان على علاقة حماس بقطر ومصر، وعن حالة الاستقطاب الإقليمي الراهنة، وانعكاساتها على الحالة التنظيمية في حماس، ونستكمل اليوم التداعيات الإقليمية الأخرى..اضافة اعلان
ثانياً- على الطرف الآخر، من التفاهمات، فإنّ التساؤل الآخر، الذي لا يقل أهمية عمّا سبق، هو وضع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي دخل في "تكسير عظم" مع محمد دحلان ومجموعته، ولم تنجح جهود الوساطة ولا الضغوط الشديدة من قبل مصر والإمارات عليه من أجل المصالحة مع محمد دحلان، وكاد هذا الملف أن يعصف سابقاً بعلاقته مع كل من مصر والإمارات، لولا تدخّل الأردن وتأجيله ملف دحلان إلى حين النظر في موضوع التسوية السلمية.
الآن، ومع هذه التفاهمات، فإنّ الرئيس عباس سيشعر، بالضرورة، بقلقٍ شديد، من أن ذلك فرض لمحمد دحلان، من بابٍ آخر، وستوتّر هذه التطورات علاقته مرّة أخرى بالدول العربية.
لا أحسب أنّ الرئيس عباس سيشتري قصة أنّ عودة دحلان هي إلى غزة في سياق ترويض حماس، فهو يعلم تماماً أنّ دحلان أصبح أكثر قرباً من مصر، وهو الفتى المدلل في بعض دول الخليج، الذي يتم الاعتماد عليه، ليس فقط فلسطينياً، بل إقليمياً أيضاً في مواجهة الإسلام السياسي.
المفارقة أنّ عباس واجه "فيتو" عربياً في خططه للمصالحة مع حركة حماس، بينما تمهّد تلك الدول لدحلان عقد التفاهمات، ويتم الالتفاف على السلطة الفلسطينية بصورة كبيرة.
ثالثاً- الموقف الأردني، إذا كان صحيحاً أنّ الأردن يحرص دوماً على ترك إدارة الملف الفلسطيني، بدرجة كبيرة، لمصر، ولا يودّ تقديم رسائل بمزاحمته لها، إلاّ أنّ مثل هذا التطور سيدفع بالضرورة جملة من الأسئلة لدى "مطبخ القرار" في عمان، الذي لم يكن شريكاً في هذه المفاوضات، على الأقل عن قرب!
التساؤل الرئيس والمحوري مرتبط بدلالات هذه التفاهمات على صعيد "وحدة" القضية الفلسطينية، وبروز رأس المخاوف الأردنية من مشروع "إحالات" إقليمية للحل النهائي، تقوم على إلحاق غزة بمصر والضفة بالأردن، عبر صيغة كونفدرالية فضفاضة، ذلك أنّ مثل هذه الخطوة قد تكون مقدّمة ليس لما يسمى "دولة غزة"، بل إنهاء حلم الدولة الفلسطينية الواحدة على حدود الـ67.
هذا وذاك يعيد طرح سؤال "المصلحة" في إضعاف محمود عباس والسلطة في رام الله، في هذه اللحظة الدقيقة من عمر القضية الفلسطينية، ما سينعكس على علاقة دحلان بمصر والدول العربية الأخرى ومستوى التنسيق المطلوب في المرحلة القادمة، وهو الموضوع الأكثر أهمية وإلحاحاً بالنسبة للأردن، بخاصة مع التعامل مع إدارة أميركية يصعب التنبؤ بما تحمله في جعبتها من أفكار ومواقف!
هذه وتلك من التساؤلات ما تزال قيد الاتفاق النهائي بين الطرفين (حماس من جهة دحلان ومصر من جهةٍ ثانية)، وعملية التطبيق العملي لها، وهي عملية ليست بسيطة، بخاصة مع "غياب الثقة" بينهما، وقناعة كل طرف من الطرفين بأنّه يستدرج الطرف الآخر، أو يستفيد منه بصورة أفضّل، لأنّ هذه التفاهمات هي زواج مصلحة، أو متعة بتعبيرٍ أدق، ليس عن قناعة حقيقية وعن رضى، ولا أظنّ أنّ أحداً يزعم ذلك!