"التفحيط".. هواية استعراض خطرة على حساب الآخرين

سيارة يقودها أحد الشباب متباهيا بقدرته على ممارسة "التشحيط" -(تصوير: أمجد الطويل)
سيارة يقودها أحد الشباب متباهيا بقدرته على ممارسة "التشحيط" -(تصوير: أمجد الطويل)

مجد جابر

عمان- يعترف الشاب سيف باستمتاعه الكبير بالتفحيط بالشوارع هو واصدقاؤه، خصوصا أن صديقه يملك سيارة قديمة مجهزة بالكامل لهذا الغرض، كما يقول.
ويبين سيف، أنهم يختارون شوارع معينة لتلائم اختبار التفحيط الذي يراهن عليه هو واصدقاؤه، ومن منهم يكون الأجدر بالقدرة على الثبات والدوران في شارع ضيق والاستمرار لأطول وقت ممكن.
ولا يشعر سيف بأي ذنب كما يقول، ولا يعتبر نفسه يتعدى على حقوق الآخرين، “حينما نقوم بالتفحيط لا نستمر الا لدقائق معدودة وحينما نسمع صوت اأحد الجيران يصرخ من النافذة نذهب لنختار شارعا آخر لأن في ذلك متعة لا تضاهيها متعة”!.
سيف وأصدقاؤه، يقومون بهذا الشيء بشكل دوري، لافتا إلى أن موسم “التفحيط” يزداد بفصل الصيف ولمة الأصدقاء الدائمة.
 العشرينية سهاد علي كانت أمام مشهد درامي مع ساعات الفجر الأولى عندما خرج أحد الجيران وإخوته ثائرين وغاضبين الى الشارع بسبب سيارة بقيت أكثر من ساعة تفحط في الشارع السكني دون أي مراعاة لأي شيء.
تقول كان هنالك هدوء تام يعم المنطقة إلى أن جاءت إحدى السيارات والتي لم تكن المرة الأولى وبها مجموعة شباب وبدأوا في التفحيط في الشارع دون توقف مع تعالي أصوات ضحكاتهم ودون أي مراعاة لوجود عائلات نائمة وأطفال ذعروا من الاصوات.
وتضيف أن ذلك استفز أحد الجيران هو وإخوته، فنزلوا بملابس النوم الى الشارع وبدأوا بالصراخ الهستيري، ليفروا بسرعة من المنطقة، مبينةً أنه لو اصبح هناك اشتباك بين الطرفين لحدثت كارثة في ذلك اليوم سببها طيش الشباب وعدم سؤال الأهل عنهم.
ولعل الثلاثيني عماد عطا اعتاد على هذه التصرفات من قبل شباب منطقته الذين يهوون التفحيط في كل الأوقات الا أن ما لم يعتد عليه على الإطلاق هو أن يخرج للمنزل ليرى من يفحط بهذه الطريقة الهستيرية ويتفاجأ بأنها فتاة.
ذلك الأمر أصاب عماد بذهول كبير كون الفتاة كانت تفحط بطريقة هستيرية، وهي سعيدة جداً دون أن يرف لها جفن، ودون أن تكترث لأن يراها أي أحد على الاطلاق، مبيناً أنه لم يعرف كيف يتصرف كونها فتاة وقد تؤذي أي شخص بالشارع بهذه الطريقة التي تفحط بها خصوصاً أنها بمنطقة مزدحمة ويمر بها الاطفال كونها بالقرب من مدرسة.
يقول “لم أعرف كيف أتصرف فلا أستطيع التبليغ عنها وهي فتاة وبنفس الوقت لا يمكن تركها تتصرف بهذا التهور، الا أنه وبعد دقائق جاءت احدى الدوريات وأوقفتها”.
وانتشر في الآونة الأخيرة فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي يظهر مجموعة من الأشخاص الذين يفحطون داخل أحد الأنفاق والذين لم ترد عنهم أي شكوى بدائرة السير أو مركز القيادة والسيطرة، إلا أنه وخلال التحقق من الفيديو تمكنت إحدى مركبات إدارة السير من التعرف على مركبة ظهرت فيه، ومالكها حيث جرى استدعاؤه على الفور واعترف بقيامه ومجموعة من الأشخاص بأعمال التشحيط داخل أحد الأنفاق شرق العاصمة عمان.
قال المركز الاعلامي في مديرية الامن العام الاردنية إن ادارة السير المركزية وباقي مديريات وادارات الامن العام باشرت تنفيذ حملة موسعة استهدفت ظاهرة القيادة باستهتار والقيام بحركات التفحيط بالمركبات في الطرقات الرئيسية والفرعية وتم من خلالها ضبط 91 مركبة وسائقها لغاية الان.
وكان المركز الاعلامي قد صرح ان الحملة ستستمر حتى القضاء على تلك الظاهرة، داعيا كافة الاخوة المواطنين للتعاون مع رجال الامن العام من خلال سرعة الإبلاغ عن اية مشاهدة لسائق يقوم بمثل تلك السلوكيات الخطرة عبر الاتصال على مركز القيادة والسيطرة 911 .
وفي ذلك يرى الاختصاصي الاجتماعي د. حسين الخزاعي أن هذا السلوك مرفوض تماماً من قبل المجتمع وفيه خروج على العادات والتقاليد والقيم ويزعج الآخرين، وأن هذا الفعل يمارس داخل التجمعات السكنية، ما يسبب أذى وتوترا وخوفا عند الناس. والسبب أن كل هذه الأماكن بها أطفال ومسنون ومرضى ما يبث الرعب في قلوبهم، خصوصاً عندما يحدث التفحيط في ساعات الفجر بين البيوت.
يشير الخزاعي الى أن ذلك سببه غياب الرقابة من الأسرة، الى جانب الفهم الخاطئ للحرية والمسؤولية وحب الظهور والقوة والتفاخر بالاضافة الى حب تقليد رفاق السوء ومنافستهم.
ويضيف أن كل ذلك له آثار اجتماعية ونفسية واقتصادية وجسمية، وأحياناً كثيرة قد تخلق مشاكل بسبب ردة الفعل التي قد تظهر من قبل الناس على المفحطين.
في حين يذهب الاختصاصي النفسي والتربوي د. موسى مطارنة أن ذلك هو نتاج حالة نفسية للأشخاص الذين عندهم فراغ ثقافي وعدم تواجدهم في جماعة ذات تأثير اجتماعي، وهي حالة من الاستعراض التي يحاولون أن يظهروا فيها وجودهم بشكل سلبي.
ويضيف أن تلك الظاهرة تكون في الغالب بين مراهقين ليس لديهم تقدير للمسؤولية ولا يوجد أي ضوابط داخلهم تمنعهم، فيكون الاستهتار غالبا عليهم، إلى جانب أنهم غير موجودين في بيئة ثقافية تمنعهم وتبين لهم أن ذلك تجاوز لحرية الآخرين.
ويشير الى أن ذلك نتاج مجتمعي غير متوازن وغير منضبط بيئياً واجتماعياً، مبينا أن لديهم اسقاطات يظهرونها من خلال هذه السلوكات السلبية.
ويرى مطارنة أنه لا بد أن يكون الضابظ والرادع مجتمعي وأسري أكثر من قانوني، ولا بد من تأسيس مبادرات تقوم على التوعية وايجاد وسائل وحلول تناسب المجتمع الحالي وايجاد مناطق خاصة للتشحيط لتجاوز التأثير على الآخرين.

اضافة اعلان

[email protected]