التفكير مرتان قبل الهجوم التالي

هآرتس

عاموس هرئيل  25/9/2018

الخطوتان الروسيتان الاخيرتان – نشر تقرير يلقي كامل المسؤولية عن اسقاط الطائرة الروسية في سماء سورية على إسرائيل، والإعلان عن نقل منظومة اس 300 متطورة إلى دمشق،  يجب أن لا تفاجئ أحدا في إسرائيل، ربما باستثناء بعض المؤيدين الاغبياء لرئيس الحكومة نتنياهو. مهما كانت علاقاته مع الرئيس الروسي فلادمير بوتين جيدة، فان نتنياهو غير قادر على أن يجعل المشكلة تختفي مرة واحدة.

اضافة اعلان

روسيا تلقت ضربة محرجة عندما اسقطت النار المضادة للطائرات للجيش السوري الطائرة الروسية. وما زال لديها حتى الآن مصالح واسعة عليها تحقيقها في سورية. كان واضحا جدا أن هذه القضية ستؤدي إلى إدانة روسية لإسرائيل وإلى طلبات معينة منها.على الرغم من أن القرار الأخير ما يزال يتعلق ببوتين، الذي اكتفى بتصريح حذر نسبيا غداة الحادثة.

 في الوقت الحالي يبدو أن معنى الخطوات الروسية سيكون تقييد كبير لحرية عمل إسرائيل في سماء سورية،  بدأ من إعلان وزير الدفاع الروسي سرجيه شفيغو عن  تزويد سورية بمنظومة صواريخ اس300 مضادة للطائرات، إلى استخدام وسائل قتال إلكترونية واستخدام انظمة اعتراض بالاقمار الصناعية أمام شواطئ سورية، بهذا ستكون عملية الهجمات الجوية الإسرائيلية صعبة. إضافة إلى كل ماسبق ستزود موسكو نظام الدفاع الجوي السوري بأنظمة سيطرة متطورة "لمنع مس سوري آخر بطائراتها". تركيب الصواريخ ووضعها تحت تصرف السوريين إلى جانب انظمة متطورة أكثر (اس 400) التي يشغلها الروس حول قواعدهم في شمال غرب الدولة ليست عائقا كاملا أمام هجمات إسرائيل في المستقبل. حسب تقارير لوسائل إعلام اجنبية فان طائرات سلاح الجو تدربت على الطيران أمام بطاريات اس300 التي باعتها روسيا لقبرص والتي توجد الآن في أيدي اليونان. يمكن الافتراض أن سلاح الجو يستطيع ايجاد طرق عمل تقلص الاخطار التي تحدق به بسبب هذه الانظمة.

روسيا أعلنت في نيسان( ابريل) الماضي أنها ستبيع اس300 لـ "سورية"، بعد هجوم أميركي وهجمات إسرائيلية اقلقتها، لكنها لم تنفذ تهديدها. هذه المرة الخطوة الروسية بدت مصممة أكثر حتى لو كان هناك شك بأن الانظمة ستعطى خلال أسبوعين متطورة جدا، وسيمر وقت حتى يصل السوريون إلى القدرة العملياتية في تشغيلها. 

الاختبار الحقيقي لعلاقة إسرائيل بروسيا سيأتي قريبا، عندما يكون انذار استخباري جديد بشأن محاولة إيرانية لتهريب سلاح إلى لبنان، خاصة إذا حدث هذا في المسار المحاذي لقواعد روسية في شمال غرب سورية. ولأن إيران مصممة على مواصلة  تزويد حزب الله بالسلاح، تقول إسرائيل علنا بأنها ايضا مصممة على حقها في ضربها، وستواجه إسرائيل المعضلة. إذا هاجمت مرة اخرى قرب الروس والمخاطرة بزيادة الأزمة معهم وربما حتى بسقوط طائرة إسرائيلية؟.

الإعلان عن نقل الصواريخ ينضم إلى تقرير نشرته وزارة الدفاع الروسية حول ظروف اسقاط الطائرة الروسية يوم الاثنين الماضي. موسكو لا تستطيع اتهام المسؤول الاساسي عن الحادثة، حليفها نظام الاسد (رغم أنه من المدهش رؤية أن تهمة المضادات السورية للطائرات غير مذكورة في إعلان وزارة الدفاع الروسية). لذلك كان متوقعا من البداية بأن المسؤولية ستلقى على إسرائيل. من المهم أن الادعاءات موجهة كلها للجيش الإسرائيلي الذي يتهمه الروس بعدم المهنية أو "الاهمال الاجرامي" على الأقل. المستوى السياسي في إسرائيل غير مذكور باستثناء ادعاء عام بشأن السياسة العدوانية الخطيرة التي تتبعها إسرائيل في سورية.

مستوى مصداقية التحقيقات الروسية (مشكوك) فيه. جزء من الادعاءات المتضمنة في الإعلان غريب. الروس يتحدثون عن تحذير مسبق بدقيقة واحدة فقط، ومن الغريب أن إسرائيل لم تحدد الوقت الحقيقي – فترة زمنية أطول بكثير. حسب اقوال طيارين إسرائيليين مجربين فان الادعاء بأن الطائرات القتالية الإسرائيلية اختفت خلف طائرة الاستخبارات الروسية غير منطقي ولا يتلاءم مع أي تصرف عملي مقبول.

ايضا اتهام إسرائيل بتضليل الروس فيما يتعلق بموقع الهجوم المخطط له، لا يبدو منطقيا. حسب روسيا فان سلاح الجو أعلن عن الهجوم في شمال سورية، في الوقت الذي حدث فيه الهجوم في غرب سورية. عمليا، اللاذقية توجد في شمال غرب سورية – كما تبرهن على ذلك نظرة خاطفة للخريطة. ولأن نظام التنسيق يعمل بنجاح منذ ثلاث سنوات، التي كان فيها مئات الهجمات الإسرائيلية، يصعب التصديق بأن الطرفين لم يستوضحا فيما بينهما المفاهيم الاساسية.

الإعلان الروسي يتهم إسرائيل بنكران الجميل، ازاء الخطوات التي اتخذتها من اجل المصالح الإسرائيلية، ومنها ابعاد القوات الإيرانية عن الحدود في هضبة الجولان (الروس يذكرون 140 كم، لكن فعليا الحديث يدور عن 85 – 100 كم والمنطقة الفاصلة لا تشمل دمشق، التي ما يزال فيها مقاتلون إيرانيون). روسيا(كذبت)ونشرت معلومات كاذبة في السنوات الاخيرة حول دورها في أحداث كثيرة (الامثلة الأخيرة هي التدخل في الانتخابات الأميركية للرئاسة، تسميم العميل سكريبل وابنته في بريطانيا وظروف غزو جزيرة القرم وشرق اوكرانيا ) يصعب التصديق أن شخصا ما باستثناء سورية وإيران يمكن أن يتبنى الرواية الروسية بشأن أحداث الأسبوع الماضي. ولكن مشكوك فيه إذا كان هذا سيغير شيئا. موسكو هي التي ستقول الكلمة الأخيرة بشأن قضية الطائرة. بعد ذلك ربما أن بوتين انتظر زلة إسرائيلية من أجل أن يضع حدا لها.

هذا ليس نهاية عهد النشاط العسكري الإسرائيلي في فترة المعركة بين حربين، التي في اطارها تم احصاء الهجمات في السنوات الست الأخيرة، لكن يبدو أن الوضع في الجبهة الشمالية لن يعود بصورة كاملة إلى الوضع الذي ساد عشية اسقاط الطائرة الروسية. إسرائيل تصرفت خلال سنوات بحرية زائدة شمال حدودها بفضل الدمج بين التصميم والنشاط الهجومي والعلاقات السياسية الجيدة مع روسيا. على الأغلب هي عملت بحكمة استراتيجية من خلال تحقيق جزء كبير من الأهداف التي وضعتها نصب عينيها.

لكن إسرائيل اظهرت في الأشهر الأخيرة ثقة بالنفس مبالغا فيها في سورية. ويصعب التصديق أن الروس أحبوا ما نشره الجيش الإسرائيلي في بداية الشهر، بشأن أكثر من 200 هجوم في سورية منذ بداية العام الماضي. ربما أنهم في (القدس) لم يستوعبوا تماما تداعيات الوضع الجديد في سورية، بعد أن اعادت دمشق لنفسها – بمساعدة روسيا – السيطرة على معظم الدولة ومنها منطقة الحدود مع إسرائيل. إسرائيل ليست دولة عظمى وهي غير قادرة على كل شيء. يجب عليها أن تهتم أكثر بالاعتبارات الروسية، وكما يبدو عليها أن تلائم نمط نشاطها الهجومي. من محادثات مع شخصيات رفيعة في جهاز الأمن يتبين أنهم يعطون أهمية كبيرة لتداعيات الحادثة الاخيرة. إن من يواصل الادعاء بأن هذه فقط كانت ضربة خفيفة للجناح، منشغل جدا بالدفاع عن الصورة الجماهيرية لنتنياهو الذي ما يزال غير مستعد لتحليل الواقع بصورة موضوعية.